سعيود وأوهام الهلاليين
عد بذاكرتك للاعب المصري طارق حامد حينما قال للزميل عمار باحكيم «تحيزت الجماهير ضدي قبل أن ألعب للاتحاد. لو كان اسمي حامدوتيش لتغيرت أقوالهم»، ربما كان محقًا، فهناك أكثر من تجربة بشأن حاجة غير العرب لتلميع أسمائهم أكثر. هل تذكر جدل صفقة انتقال البرازيلي ماثيوس بيريرا من ويست بروميتش الإنجليزي إلى الهلال؟ لم تكن ردود الفعل محصورة في الأوساط الإعلامية أو أرقام الصفقة، بل امتدت إلى سجالات المشجعين، حتى كتب المنتج والممثل والمشجع البريطاني ماثيو مارسدن ممتعضًا من هلاليي تويتر: «جماهير الهلال، بلا مبالغة، من أسوأ الجماهير التي تعاملت معها على الإطلاق. إنهم غارقون في أوهامهم». Completely delusional.
عبارة تختزل على قسوتها شيئًا من الحالة الذهنية التي باتت مرتبطة بجماهير الأندية السعودية. يشعر رهط منهم بالزهو و«البرستيج». أتذكر ذلك الجدال باللغتين. كان المنتج يواجه جمهورًا يتحدث من علٍ، ويجادل بثقة مفرطة، ويقدم نفسه وكأنه يمثل ناديًا عالميًا من الطراز الأول.
هذا الإحساس بـ«البرستيج» ليس وليد اللحظة، بل انعكاس لتحول ثقافي واسع في الوعي الجماهيري السعودي، لاسيما مع تدفق الصفقات الكبرى والمشاريع الضخمة في الرياضة، تزامنًا مع ازدياد أعداد المتبضعين من عامة الناس وخاصتهم من متاجر لندن، وحديثهم عن جولاتهم السياحية في المجالس. ومن هنا، بات جمهور نادي العاصمة يرى أن التبضع من الدوريين الإنجليزي والإسباني يليق بمقامه، وأن الصفقة، كالثوب، لا تليق إلا إذا كانت من متجر أوروبي.
كانت صفقة فاشلة، شأنها شأن الأرجنتيني فييتو. كلاهما قدما من دوريات النخبة، وكلاهما لتعويض إدواردو وجوفينكو. لماذا لم يفطن الهلاليون حينها مثلًا لموهبة الجزائري أمير سعيود. ها نحن نراه في روشن ولا يسع أي منا إلا أن يُعجب بموهبة تُثمر في كل نادٍ يلعب له. يمتلك سعيود ما احتاجه الأزرق من أداء: رؤية ثاقبة، وتمرير ذكي، وتسديد قوي، ومراوغة سلسة تنمّ عن فطرة كروية. ومع ذلك، فإن هذه الموهبة العربية لا تزال تجد الأبواب موصدة في وجهها، لا لقصورٍ في الإمكانات، بل لتحيّزٍ لا واعٍ يسكن عقل بعض الأندية الكبيرة في منطقتنا.
من المؤسف الذهاب في اتجاه يظن أن الموهبة لا تُولد إلا بجواز سفر أوروبي، أو بملفّ تسويقي لامعٍ صادر من القارة العجوز. لو كان الأمير أمير لاعبًا فرنسيًا أو برازيليًا، لربما كان في مقدّمة أهداف الهلال الفنية، وحل حالة الضياع التي عاشها الأزرق في مواسمه تلك.
هذا التجاهل ليس فنيًا بل انعكاس لذهنيّة مشوبة بالغرور، تحكم بعض قرارات التعاقد في الأندية الكبرى، خاصة تلك التي باتت تعتقد أن التعاقد مع نجم من دوري عربي لا يليق بتوهم «صورتها العالمية». وكأنّ القيمة تُقاس بالسوق، لا بما يُقدّمه اللاعب فوق المستطيل الأخضر. لنتوخى التحيّز والتعالي المستتر. آن له أن ينهار. فهيا إلى صفقات الجودة، لا الواجهة. فالكرة عرق، لا عطر تلتقطه من على رفوف هارودز.