|


خالد قاضي
اطلبوا العلم ولو في الصين
2010-11-26
عندما زرت الصين، هذا البلد العريق بشعبه العامل والنشيط وحضارته الموغلة في التاريخ من خلال سوره العظيم وكأنه يشير إلى أن حضارة كبيرة مرت من هنا، وكنت يومها أحد أعضاء الوفد الإعلامي المرافق للمنتخبات السعودية المشاركة في الدورة الآسيوية التي أقيمت في ذلك العام في العاصمة الصينية بكين، ويومها زار الأمير فيصل بن فهد (رحمه الله) الصين كأول مسؤول سعودي رفيع واستقبل يومها من وزير الخارجية الصيني الذي حضر إلى المطار تقديراً لاسم السعودية.
وأذكر يومها أن فاجعة احتلال العراق للكويت كانت الحدث الأبرز وأن البعثة الرياضية الكويتية برئاسة الشيخ أحمد الفهد غادرت مع البعثة السعودية من الرياض على طائرة خاصة واحدة وكذلك العودة من بكين ويومها رفضت جميع الدول الآسيوية مشاركة العراق في هذه الدورة.
المهم أن ذكرياتي مع هذه الدورة لم تكن رياضية فقط إلا من خلال برونزية كرة اليد .. لكن المشاركة حققت أهدافاً سياسية مهمة، فقد كان الإعلاميون في الصين يسألوننا كيف تشاركون وبلدكم في حالة حرب؟!.. فكانت الأنظار على السعودية والكويت وكان الترحيب بهما كبيراً في حفل الافتتاح الذي حضره 120 ألف متفرج امتلأت بهم مدرجات الملعب فجأة في أقل من ربع ساعة .. ومازلت أذكر أن مترجماً صينياً كان يرافقنا كوفد إعلامي ويتحدث العربية باللهجة المصرية.. وسألته من أين حضرت هذه المائة ألف متفرج بشكل سريع؟ .. فابتسم وقال "هؤلاء اللي كانوا ماشين في الشارع الخلفي للملعب لأن أحداً لم يخرج من بيته".. وكان الرجل محقاً لأنك عندما تشاهد مائة ألف أو 200 ألف يمشون في أحد شوارع بكين سواء على الأقدام أو بالدراجات الهوائية فإن هذا منظراً مألوفاً وقد يتجاوز المتواجدين في شارع واحد في بكين سكان بعض الدول العربية.
تذكرت الصين هذه الدولة العظمى بنشاط شعبها الذي يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع رغم أن عدد سكانها تجاوز المليار و300 مليون نسمة .. فهم لا يعانون من مشاكل اقتصادية لسبب بسيط وهو أنهم يعملون كثيراً ويأكلون قليلاً بعكس العرب .. كم هي عجيبة بلد الصين وصدق من قال اطلبوا العلم ولو في الصين، فهذا البلد أبهر العالم بالصناعة .. وفي الرياضة كم لها من إبهارات وإبداعات والجميع يذكر استضافة الصين المبهرة لآخر أولمبياد عالمي، فالملاعب أذهلت العالم .. ودقة التنظيم .. ولاشيء عندهم متروك للصدفة .. النظام شعارهم ولذلك نجحوا وكم أتمنى أن تستفيد الرياضة السعودية من التجارب الصينية في إنشاء الملاعب خاصة وأننا مقبلون على إنشاء مدينة الملك عبدالله الرياضية في جدة .. إنها الصين، تجربة فريدة وكم استمتعنا في هذا الشهر نوفمبر بآخر تنظيم للصين لدورة الألعاب الآسيوية في مدينة (كوانزو) الصينية مدينة الزهور والمصانع والتي خرجت عن المألوف وأقامت حفل الافتتاح على النهر وجاء دخول الدول المشاركة بالقوارب .. وبالفعل الذي لم يزر الصين لم يسافر.
إن من زار دولاً مثل الصين أو كوريا الجنوبية أو اليابان يشعر أن الفارق بينهم وبين العالم العربي ألف سنة تقريباً .. في كوريا الجنوبية عندما رافقت الهلال في نهائي السوبر أمام بوهانج ذهلت وأنا أشاهد الكباري المعلقة فوق بعضها فلا تستغرب في العاصمة سول أن تشاهد خمسة أو ستة كباري فوق بعضها البعض .. ونحن في جدة لمجرد إنشاء خمسة أو ستة كباري صغيرة تلخبط المرور وتاهت الشوارع .. في اليابان منذ مئات السنين توجد قطارات سريعة يطلق عليها اسم (الطلقة) ونحن الآن نفكر في إنشاء القطارات .. العملية ليست رياضة فقط .. تطور الرياضة جزء من منظومة تطور متكاملة، فاليابان أو كوريا لم تتطور في الرياضة إلا لأنها تطورت في كل شيء .. أيضاً ثقافة البشر فأنا تعبت من مراقبة السيارات في كوريا واليابان حتى أحقق أمنية شخصية وأنا أشاهد كورياً أو يابانياً يقذف علبة أو قارورة صحة من نافذة سيارته ولكنني لم أشاهد ذلك .. بينما المنظر مألوف وغير مستغرب في أي شارع من شوارع العالم.
حتى وأنت في ملعب كرة قدم في اليابان وكوريا لا تفاجأ وأنت ترى الجماهير وهي تنظف المدرجات بعد نهاية المباراة .. أما في العالم العربي فإن عليك أن تحمي رأسك وأنت في المدرج من أي شيء قد يسقط عليه .. هناك فارق بل فوارق إذا وصلنا إليها فإننا حتماً سنصل لما وصلوا إليه .. هناك جهود كبيرة من الحكومات العربية في التطوير ولكن المشكلة في ثقافة البشر.