حول العالم، يمارس الملايين هواية القراءة.. لا يزالون يحاربون الزمن والتجدد والمدنية، وتسارع نبضات الحياة وإغراءات وسائل التواصل.. يجاهدون ويسرقون الوقت كالذين يسرقون الكحل من العين، ينكبون على قراءة رواية أو قصة أو سيرة ذاتية على أسرتهم، أو في مقعد الطائرة، أو على كنب وثير داخل مقهى هادئ.. المهم أنهم لا يزالون قراءً وقارئين حتى إشعار آخر..
لا أظن كاتبًا تلقى يومًا سؤالاً عن الطريقة التي تعلم بها الكتابة.. وإن تلقى هذا النوع من الأسئلة فعلاً، فإن السائل لا حرج عليه.. ولا أظن كاتبًا مبدعًا سمح لنفسه أن يجيب.. الأسئلة السطحية لم تخلق للعباقرة.. والإجابات الناقصة تموت على ألسنتهم.. هذا شيء يسير من هوية وهواية الكتاب والكتابة.. الصحافة شيء ثالث تائه بين القراءة والكتابة.. مع الوقت استبيحت فضاءاتها فدبت فيها الفوضى.. هذه أكبر مصائبها ومشاكلها وهمومها..
يفترض أن يملك الصحفي الحد الأدنى من أدوات الكتابة.. صارت هذه في آخر سلم القدرات والإمكانيات والمميزات.. لا تسأل الصحف القادمين الجدد عن مهاراتهم الكتابية.. تسألهم فحسب عن علاقاتهم ومصادرهم ومعارفهم الذين يمكن بواسطتهم إمدادها بالخبر الأكيد.. هنا اختلت المعادلة، وحل المخبرون مكان الصحفيين الذين تحتاجهم المهنة كلما بلغت من العمر تراجعًا وهبوطًا، بحكم عوامل التغيير التي يحمل تويتر وأخواته وزرها ونكبتها وسقوطها.. عشرات الصحفيين الغربيين عملوا مراسلين ميدانيين، وساهموا في إثراء رفوف المكاتب بمؤلفاتهم وإصداراتهم؛ لأنهم قبل كل شيء لديهم القدرة على تحويل ما يتعايشون معه في الواقع، إلى كلام يزين صفحات الأوراق.
المراسل بيننا يظل عينًا ترقب الحدث وتنقله على طريقة ناقل الكفر ليس بكافر.. الفرق يبدو واسعًا وشاسعًا.. أوسع من فوارق وعوائق بين القارئ والكاتب..أن تكون قارئًا، فهذا يعني أنك تشبه الملايين من الداخل.. وأن تكون كاتبًا ملهمًا فهذه موهبة تستحق التقدير.. وأن تكون صحفيًّا لا تقرأ ولا تكتب، فأنت مجرد عقوبة ابتليت بها الصنعة.. وما أقسى أن يكون الصحفي عقوبة.. الصحفي الذي لا يكتب كأنه حسين الذي يكتب كل كلمة يقولها.. وكل كلمة ما بيقلهاش..!