|




فهد عافت
بعيداً عن الحُنُوِّ والبَشْبَشَة!
2016-12-05
بمواعيد، أو بمصادفات طيّبة، يحدث أن نلتقي بأدباء، لقاءات عجولة أو متريّثة، المهم أنها تنتهي بتوقيع كتبهم، مسبوقة بسطرين مودّة ومجاملة لنا!، يتبجّح بعضنا بحملها كشهادة اعتراف، وورقة تعميد!، ينشرها في كل محفل، ويحكيها في كل لقاء، ويمررها لكل محرر صحفي!،
قبل فترة التقيت بشخصية عجيبة، صافح وجلس وطلب قهوة، دون استئذان، ودون اهتمام في ما إذا كنت مشغولاً، وقد كنت مشغولاً بكتاب، أو في ما إذا كنت مرتبطاً بموعد، وقد كنت أنتظر صديقاً فعلاً!، لا بأس، على الرحب والسعة، العجيب أنه لم يكن يحمل كتاباً له، كان يحمل ثلاثة كتب، أو أكثر، لأدباء وكتّاب، التقاهم في معرض كتاب، وقدّم لي نفسه من خلال إهداءاتهم إليه!، كانت كلمات الإطراء باذخة، من الواضح أنه عرّف نفسه لهم كشاعر وقاص، ومن الأوضح أنهم جاملوه!،
قرأ لي بعدها شعراً، مُهمِلاً أمر تهيُّئي من عدمه، وبقَدْر عاديّة الشعر، كانت اللحظات تمرٌ زَلِقةً، من فرط الحَرَج، متراخيةً، من فرط التّنْبَلَة!،
راح الكلام وجاء، وكانت الخلاصة مزاج سّيئ، ومن طبيعة المزاج السّيئ أنه يجعل صاحبه ثابتاً عند رأيه، بكلماتٍ كلما حاولنا تحسينها، اتجهت رغماً عنّا، إلى صلافةٍ تنتظرها!،..
حضر صديقي، الذي كنت أنتظره، وناله من التبرّم نصيب، فقد قرر الشاعر القاص، أن يقرأ علينا قصّة!،
لحظة أخرج الأوراق من جيبه، التقت نظراتي بنظرات صاحبي، نظرات عجب وتعب، عجب من كيف قدر على دسّ كل هذه الكمية من الورق في جيبه دون أن ينتفخ الثوب أو يميل الشاب النحيف، وتعب من مجرّد تخيّل الوقت الذي يلزم للانتهاء من قراءة كل هذه الأوراق!،
ومن عيوبي، أنه ما أن تنتهي حصيلة اللطف الفطريّ عندي، وهي ليست وافرة للأسف، حتى تبدأ حصيلة اللطف المُتَكَلّف باللحاق بها!، يعلم الله أنني أحاول تهذيب نفسي كل يوم، وإلى حدٍّ ما، أشعر بنجاح، لكنني فجأةً ألقاني وقد رُمِيتُ وكلماتي، في منطقة الّلا حُنُوّ، واللا بَشْبَشَة!،
وهذا ما أظنه قد حدث في منتصف قراءة الشاب للقصّة، قلت: لو تكرّمت، صديقي وقته ضيّق، وهو على عَجَلٍ، ولا شأن له في عالم الأدب والكتابة، فلو أجّلت بقية القصة إلى أن نتحدّث قليلاً!، قال: بَقِيَت صفحتان!، وقال صديقي: عادي، لست مستعجلاً، بالعكس، القصة حلوة!، العجيب أن ردة فعل صديقي وكلماته، أعادت لصدري لِيناً، وانشراحاً، ورغبة في الدعابة!، قلت: رائع أكمل، ولمّا انتهى، طلبت قراءة قصة أخرى، هذه المرّة أخرجها بضغطة زر من جوّاله، وبدأ القراءة!، وبعد كل مجموعة أسطر، كنت أهزّ رأسي، وأقول مبتسماً: جميل جميل!، انتهى فطلبت ثالثة!، نهض صديقي مستأذِناً!، فاستأذنت وخرجت معه، طلب الشاب صورة مشتركة وكلمة في سنابه، كيف أخرج الآن من مدائحي له؟!، قلت بينما يلتقط المشهد: سعدت كثيراً بمجالسة الشاعر والقاص الجميل، وذكرت اسمه!، أظنه يهتم بهذه الأمور، وربما أضاف ما قلته، إلى الكلمات الطيبة التي سبق وأن حصل عليها، من إهداءات الكتّاب الموقّعة له في معرض الكتاب، الله بيني وبينكم أيها السادة الكرام، فرّقوا بين المجاملات العابرة، والإهداءات الخاطفة، والآراء الحقيقية، ثقوا بحدسكم وذائقتكم، وقلّبوا قول المتنبي، فهو على الجانبين صحيح:
وَهبْنِي قلتُ: هذا الصُّبْحُ ليلٌ... أيعمى العالمُونَ عن الضِّياءِ؟!