|




فهد عافت
الغذامي وسعدية مفرّح والمتنبّي!
2016-12-06
غرّد الدكتور الغذامي :"هل رأيتم تسامحاً كتسامح قدمائنا، الشاعر أحمد بن الحسين الكوفي، ادّعى النبوّة في بدايته، واكتفوا أن أسموه المتنبّي، وعاش عمره كله بطلاً شعريّاً"، وتداخلت الشاعرة سعدية مفرح وكتبت: "لكنه مات مقتولاً، بسبب تهمة أقلّ من هذه يا أستاذنا"،..
ظنّي أن المتنبّي، لم يدّع النبوّة أصلاً، ربما كان في شبابه، غير آبِهٍ ولا مُكتَرِث، لكن أخبار ادّعائه النّبوّة كلها، لا تحمل جِدّيّةً، وليست موثوقة تماماً، والتشكيك في أمرها جائز، الأكيد أنه اتُّهِم بذلك، وللأسف فإن هذه واحدة من الوسائل التقليديّة، التي يتم اللجوء إليها، كلما جمح مبدع عربي في فنّه، ووجب لجمه!،
نظرة خاطفة لتاريخ الثقافة العربية، والعمل الإبداعي، في المائة سنة الأخيرة فقط، يمكن لشبكتها أن تصيد عشرات، بل مئات، الأسماء التي عجز خصومها عنها، فما كان شيء أيسر على أرذل الخصوم، من رمي أنبل المواهب، بتُهَمِ الإلحاد، أو التطاول على الدين، أو الإساءة إلى العقيدة!، ولأن الدكتور الغذامي والشاعرة سعدية مفرح، من الفاعلين في العمل الإبداعي، فلا أظن أن "طشاشاً" من هذه الاتهامات الباطلة، لم يُصبهما يوماً!،
يا ناس.. يا خلق الله، مشايخ فيما بينهم، اختلفوا، فغمز أحدهم الآخر، ولمزه، بكلمات موحية!، فما بالك بأهل الفن والإبداع، وما بالك بسيّدهم أحمد بن الحسين "المتنبّي"؟!،
الثقافة العربية فيها من قساوة الرفض ما فيها، وهي إن اقترب الأمر من المصالح، أسمت المصالح مبادئاً وقيماً، وبدت غليظة في ضغينتها، لا تِعفّ إلا نادراً!،
ومن يوم أن دخلت الصحافة في الموضوع، صارت الثقافة في معظمها، ثقافة مجاملات، ومصالح، وأُبّهة اجتماعية، استلزمت دائماً شلليّة، ويل لمن لم يَسْتَطِبْها!،
أما حكاية مقتل المتنبّي، بالطريقة التي تحكيها الكتب عادةً، فلا أظن إلا أنها واحدة من أكبر المهازل، ولا يمكن لي تصديقها أبداً، الحكاية تنقصها الحبكة أصلاً!، بمعنى أنها ليست كذبة فقط، بل كذبة باهتة دون شك!،
نعرف جميعنا ما سردته الحكاية من رغبة المتنبي في الفرار، لولا أن ذكّره غلامه ببيته الشهير: "الليل والخيل والبيداء تعرفني.. والرمح والسيف والقرطاس والقلم"، وردّ المتنبي: قتلتني يا غلام!، بعدها قُتِل المتنبي وولده والغلام، آمنّا بالله، من إذن ذلك الذي بقي حيّاً، ليقول لنا إن هذا ما حدث فعلاً؟!،
ثم من هو هذا فاتك الأسدي، الذي لم يفلح في أخذ ثأره من المتنبي، وقد دنّسه بهجاءٍ، قاله في شبابه وكان وقتها فقيراً، ووحيداً، يسهل أمر مواجهته، ليأخذ بثأره من المتنبي، بعد سنين طويلة، وقد صار ثريّاً، تحمل النياق خزائنه، وللنياق رعاة، وللمتنبّي حرّاس بأسلحتهم؟!،
لا شيء أوضح من جريمة اغتيالٍ سياسي، أنهت حياة المتنبي بتصفية جسديّة، ولأنه المتنبّي أعظم شعراء الدنيا، أكرر مطالبتي الدائمة بإعادة فتح الملف، وكأن المتنبّي قُتِل بالأمس، أو قبل ساعة!،..
قبل أن ننتهي، أُتمّ شكوكي:
المتنبي لم يطلب من سيف الدولة ولايةً، ولم يعشق أخت سيف الدولة، وحكاية أنه كان ابن سَقّاء، مُحتَقَر النسب، غير صحيحة، يُفنّدها بأدبٍ وعجبٍ، الفخم محمود شاكر في كتابه "المتنبي: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا"، وهو من أدق وأرق، وأشفّ وأعفّ، ما قرأتُ عن المتنبي، بعد، ومع، كتاب "الوساطة" لأبي حسن الجرجاني.