|




فهد عافت
في الغيبوبة!
2016-12-11
لا شيء مما خلق الله ينافسهُ في هذا الأمر، وإنها لمفارقة: أكثر الأشياء خلوداً في هذه الحياة هو الموت!،
هذا الذي حين نفكّر في أمره، لا نجد للحياة، في غيابه، أي معنى يمكن وصفه بالتّام والمُكتَمِل!،
الموت هذا الذي يُجبر حياةً ما على أن تتوقّف فجأةً، بظن دائم لمن بقي حيّاً، أن حياة الآخر التي توقفت، لم تُتم مشروعها كاملاً، هذا الموت نفسه، هو الطريقة الوحيدة لإثبات العكس، وأن المشروع تمّ، وأنه الآن، الآن فقط وبعد الدفن تحديداً، صار قادراً على طرح نفسه في الحياة، ولها، دون إمكانيّة بتر، أو تحريف!،
الحياة مُشافهة، والموت كتابة!،
ويمكن القول أيضاً، أن المشافهة حياة، وأن الكتابة موت!،
لذلك لا يمكن لمشافهةٍ أن تكون مُنجَزةً على نحوٍ تام، لا يمكن لها أن تكون مُكتملة، ذلك لأنها قابلة للأخذ والرّد، وقد تُغيّر الاستفسارات، والمداخلات، مسارها ووِجهتها، وحين تُعيد المُشافهة طرح فكرتها، لا يمكن للذاكرة والعقل والوجدان واللسان، أن يلتقيا في نفس النقطة والظروف السابقة، فتتغيّر الكلمات بكلمات أخرى، وتطول الجُمَل وتقصر، وتختلف درجة الصوت، حتى ونحن نعيد نفس الفكرة بنفس الرؤية وبما نظنه نفس الطرح أيضاً!،
في المُشافهة، تُوجد فواصل، وعلامات تعجب، واستفهام، لكن لا تُوجد نقطة!، لا نهاية لحكاية، أو لأمر!، المُشافهة كتاب بلا غلاف!، كتاب لا يُمكن الركون إليه، لأنه في صفحةٍ لم تُكتب بعد، لكنها ستُكتب حتماً، يمكنه تغيير القول إلى نقيضه!،
الكتابة التي هي موت، وحدها تجعل من المُشافهة كتاباً بغلاف!،
ما نكتبه أو نخطّه على الكتاب، شواهد على قبور لا أكثر!،
الكتابة محميّة من الأسئلة حتى وإن ألحّت هي نفسها باستدعاء الأسئلة!، ومهما حاولنا كقرّاء، استدراج الكتاب، ليقول ما نريد له أن يقول، ليغيّر رأيه، نهجه، أسلوبه، قناعته، مهما هددنا أو أغرينا، أو رفضنا، أو ناقشنا، يظل النص عصيّاً، ولا تقول الكتابة إلا ما قالته، دون زيادة أو نقصان، حقاً كان ذلك أم باطلاً أم بين بين!
في المشافهة، ولأنها حياة، يختلف القول، وتتباين الطرائق، حسب المكان والأدوات والعدد، فما يمكن قوله مشافهةً، أمام ثلاثة أصدقاء، ليس هو أبداً، حتى وإن ادّعى، ما يمكن قوله أمام مائة ألف شخص!، حتى لو لم يكن الأمر بحاجة لكتم سر، ذلك لأن ما يمكن قوله مشافهة أمام ثلاثة أصدقاء، لا يمكن قوله لهم مشافهة، مرة أخرى، كما هو حرفياً، وبنفس نبرة الصوت، ووقفات النَّفَس، وتعبيرات الوجه والحركة،
النص المكتوب، بحكم موته، ولغياب ذاكرته بالموت أيضاً، لا يغيّر شيئاً مما هو عليه، يردد نفس الكلمات، بوقفاتها، لا يهمه العدد، ولا المكان، ولا الأدوات التي يتسلّح بها الطرف الآخَر!،..
اليوم، وبسبب من التكنولوجيا، نعيش حالة، عجيبة، فعوالم تويتر، والسناب شات، والواتس أب، وغيرها، أثمرت، أو تكاد، جنساً ثالثاً!، خليطاً من أنوثة الحياة "المشافهة"، وذكورة الموت "الكتابة"!، الكلمات بين الحياة والموت، في منتصف الطريق تماماً، إن لم تكن في الشذوذ، ففي الغيبوبة!.