الكويت وفي خمس دقائق، عبر فنّها، أعادت لنا فننا، كان هذا، وربما للمرة الأولى، مانحاً المقولة التهكميّة الشهيرة، بعداً آخر، مختلفاً، وشديد البهاء: "بضاعتنا رُدّت إلينا"!.
كنا نعرف أن لدينا تراثاً فنيّاً بهيجاً وحاضراً لا يخلو من مَلَاحةٍ، ووعود سفر!، لم تكن المعرفة كافية، وإلّا لما أبهرنا العرض!، كنا بحاجةٍ لأن نلمس الشيء مرة أخرى، أن نحسّه من جديد، أن نُصدم بثقتنا في زخمه! كنا بحاجةٍ لمن يهز نخلة الطرب ليتساقط الرطب!، والكويت بموسيقاها فعلت ذلك، اختصرت لنا الحنين، وقدّمته مُكثّفاً، على نحوٍ، لا يمكن صدّه!، في خمس دقائق انتصرت الكويت لنا علينا!.
وحتى قبل أن نعرف من وراء هذا العمل، عرفنا أنهم عشّاق فن، وأنهم أحبّة بصدق، وصادقين بمحبّة، وأن من بينهم مشعل العرّوج!.
للعلم، لستُ متأكداً حتى هذه اللحظة، من وجود مشعل العرّوج في قائمة العمل، لكنني أتحدث عن حديث الناس، عن استباقهم للأمر، عن طرح اسم الملحن المبدع مشعل العروج، لمجرّد أن العمل كان خَلَّاباً، لا مُتلعثماً، ولا مُتغطرساً بحجة لزوم المهابة، بل ولا يخلو من ظُرفٍ، وروح طفوليّة مَرِحَه!، كأن الناس، وفي ذائقتهم الجمعيّة، يردّون لمشعل العرّوج، تحديداً، التحيّة، ويشهدون له بما لموسيقاه في أنفسهم من أثر!.
اصطياد اسم الناس لمشعل العرّوج، من بين كل أهل الفن الموسيقي من الكويت، هو إطلاق لمشاعر الناس، حول الموسيقى، وهتاف يؤكد أنهم يعرفون في نهاية الأمر، من هو المبدع الحقيقي، وأن أمر الجمال لا يمكن تشويهه بكثرة النشاز، وحتى لو وصلت مداهنات الإعلام إلى أقصاها، وقد وصلت!.
نرد للكويت تحيتها، بالتأكيد على هويتها: مجلة العربي، سلسلة عالم المعرفة، مسرح صقر الرشود، ثنائية عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج، ألحان أحمد باقر ويوسف المهنا، شادي الخليج وعبدالكريم عبدالقادر، وسيل من لاعبي كرة القدم، الكويت زارعة المحبة والفرح والثقافة والتسامح، هذه هي هويّتها التي عليها أن تظل متمسكة بها، لقد جعل الفن الرحباني من لبنان أكبر مما هي جغرافياً عشر مرّات على الأقل، وكذلك فعل الفن الكويتي بالكويت، وإن الدّول لتصغر وتكبر، بفنونها وأدبها، دروس الجغرافيا مهمّة، لكن خطوط الجغرافيا لا تقول الكثير!.