ـ كل شيء بقَدَر، ليس هناك رمية نرد، حتى رمية النّرد مقدّرة ومكتوبة، لا المؤمن يعرف حساباتها ولا المُلحِد، غير أن الأخير يسميها صدفة وفي داخله إيمان بقدَرِيّتها، بينما يثق المؤمن بأنها قضاء وقدر، فإن أسماها صُدْفةً فليس لغير الاستسهال، أو زَلّة لسان في مزاج عاطفي!.
ـ الإنسان مخلوق للإيمان بوجود الله، لا أستثني من ذلك غير السفيه والمخبول والمريض عقلياً، الإنسان كائن مؤمن بالفطرة، لكن ربما لديه وبالفطرة أيضاً رغبة في الانحراف، وشهوة للزيف، وقد يستغرب القارئ الكريم من رأيي التالي:
ـ لا الرغبة في الانحراف مُضِرّة بالضرورة، ولا الشهوة في الزيف سلبيّة وغير ذات فوائد رائعة بالضرورة!، فالأولى تأكيد للحريّة، بينما الثانية مصدر للمتعة!.
ـ لولا الرغبة في الانحراف لما كان هناك عِلْم، ولولا الشهوة في الزيف لما كان هناك فن!.
ـ لولا الأولى لما كان هناك تجريب، ولولا الثانية لما كان هناك خيال، ولا حتى منافسات رياضيّة!.
ـ قد تكون هناك رياضة، غير أن المنافسات الرياضية في معناها العميق جاءت بديلةً عن الحروب، كان لا بد للإنسانية من حفنة زيف وكذب ليمكنها الضحك، ولتتخلص من التصفية الجسدية، ولتنتصر وتفخر بانتصاراتها دون خسائر قاسية وراعبة!.
ـ المصيبة كلها في الكِبْر، فما إن يمس الكِبْر طَرَف ثوب، حتى يُحرق الثوب وصاحبه!.
ـ لولا الكِبْر، لنقل: طالما أن الأمر لم يصل إلى الكِبْر، فهو لم ينفلت، ولم يحد عن مساره، وعن فطرته التي فطره الله عليها، فإن انفلت فإنه يسيء أول ما يسيء إلى أكرم ما في الإنسان: الحريّة، ويُشين أول ما يُشين إلى أجمل ما في الإنسان: الأدب!.
ـ وبالرغم من كل هذا، يظل الإنسان في داخله مؤمناً، وعارفاً بالحق، وبوجود الخالق الفرد الصمد القادر المُتحكِّم الحكيم المُنَزَّه، ومن هنا جاءت كلمة "كافر" أي: "ساتر"؛ لأن الإنسان قد يستر هذه الحقيقة، التي تظل تؤرِّقه، يكذب من قال غير هذا، فإن نمّق القول و"زوّقه"، فرح بنفسه وكذب أكثر!.
ـ داروين الذي قامت الدنيا عليه ولم تقعد، أو ربما قعدت!، قضى معظم حياته يكتب في دفاتره السّرّية الصغيرة، متمنيّاً أن تكون تجاربه مدحوضة واكتشافاته خاطئة ونظرياته غير صحيحة!، ومن قرأ كتاب "داروين متردداً"، وهو بالمناسبة كتاب رائع لديفيد كوامن، والأهم أنه مُنصف لداروين، لا يمكنه إلا التعاطف مع هذه التّوسّلات الداروينية السرية والتي لم تعد سريّة بالطبع!.
ـ عن داروين، يمكن للملحد القول: كم كان نبيلاً وشهماً وإنسانياً، فهو كان يتمنى صادقاً أن يكون على خطأ، لكنه كان شجاعاً آخر الأمر، فجَابَهَ الدنيا بحقيقة ما توصّل إليه!.
ـ يمكن للمؤمن سحب البساط وقلب الطاولة في كلمتين: حسناً، إذا كان داروين لا يؤمن بوجود إله حقاً، فلمن كان يكتب توسّلاته وأمانيه؟!، كان يدعو مَنْ بالضبط ليخلّصه من ورطته؟!.
ـ الإنسان مُصَمَّمٌ على الإيمان، حتى وإن صَمَّم على عدم الإيمان!.
ـ ويظل ظنّي أن المُلحد والكافر أقل خطراً وضرراً على الحياة والناس من ذلك الذي يأخذه نفس الكِبْر إلى التطرف!، فالأول على الأقل لا يُحرق غير نفسه، بينما لا مفر للثاني من حرق كل من هم حوله معه!.
ـ الأول يتعذّب، الثاني يُنزِل العذاب!.