يفني الشاعر عمره، يهدر وقته ويُرهق جسده وفكره، بحثاً عن جملة جديدة، عن كلمتين تلتقيان للمرّة الأولى في عناق نهائي وأبدي!، عن أرض مفردات لم يطأها قلم من قَبْل!، عن منح العالَم معنى آخَر غير مسبوق، وأن يكون هذا المعنى أصيلاً، ثابتاً منذ أساس التكوين، معنى يمرّ بالناس ويمرّون به، يراهم ولا يرونه، أو أن بعضاً منهم يراه لكنه لا يقدر على اصطياده في مِحْبَرة، وحبسه في شكل!.
ـ يُحبّ الشاعر سماع كلمات الإطراء من الناس، لكنه لا يفعل ذلك من أجلهم، بل من أجله هو، وحين يُتَّهَم الشاعر بالنرجسية، فإن التّهمة ليست جائرة تماماً ولا عادلة أبداً!.
ـ كل ما يؤمن به الشاعر أنه مركز الكون، وبامتلاكه للكلمات، لسرّ الكلمات، لموسيقاها، وبإخلاصه لهذا السر حدّ الذوبان فيه، يشعر أن كل شيء يجب أن يدور حوله بناءً على قانون الجاذبيّة الطبيعي نفسه، وهو يتعامل مع الأمر على أنه مسئوليّته وليس مكافأته!.
ـ الشاعر إذ يبتكر، إذ يتقدّم، إنما يريد قيادة العالَم نحو أوّل الأمر لا آخره!، يقينه أن الله سبحانه علّم آدم الأسماء كلها، أن اللغة إلهية في الأصل، وأن الإنسانيّة نسيت روح الكلمات وزوّرت جسد المعنى، وأنه أكثر أبناء آدم حفظاً لصِلَة الرَّحِم الأقدم والأعمّ، وأحفظهم للوصيّة، وأقدرهم عليها!.
ـ لا يندم الشاعر على هدر ولا هجر، وكل ما يبدو مُرْهِقاً ومُتعباً، أقل من أن يزول أو يُرمى عن الكَتِف، هو غير موجود أصلاً، ذلك لأن الشاعر يلعب!، ربما يشعر بالتعب بعد اللعب، أما أثناء اللعب فلا شيء غير المرح والسعادة، ربما لذلك لا يُقلق الشاعر شيئاً أكثر من انتهاء القصيدة، لا يخيفه إلا أن يطول الوقت قبل أن يتمكن من الدخول في قصيدة أخرى!.
ـ وإذ يلعب الشاعر، فإنه يتعبّد!