- لنبدأ من هنا: هل يمكن للفلسفة مثلاً أن تنتهي؟.
- الفلسفة بصفتها فكراً إنسانياً أكثر تفوّقاً، لا يمكن لها أن تنتهي، لكن بوصفها مِهنة، يمكن للسؤال أن يكسب مشروعيّته، مع التأكيد على أن مشروعيّة الأسئلة لا تعني بالضرورة وجوب أن يكون الرّد عليها بنَعَم، إذ أن اللاء، والـ.. ربّما، إجابات أيضاً، المهم أن لا تكون الأسئلة غوغائية، بلا مرجع ذهني وتاريخ، وأن لا تكون متغطرسة، حصيلة تبجّحٍ يكتفي بذاته، يبحث عن مُستقبِل لا عن مُستقبَل.
-كل مِهنة يمكن لها أن تزول، بما في ذلك الطِّب نفسه، يبدو تخيّل الأمر صعباً، لأن الأمر صعب فعلاً، لكننا فيما لو تخيّلنا اكتشاف عُشبة، أو اختراع حبّة أو إبرة، تُميت كل الأمراض، فإن الطب بصفته مِهنة سينتهي.
- في الضمير الحيّ لكل مهنة: رغبة صادقة وسَعْي حثيث إلى زوالها، عن طريق الوصول إلى نقطة ختاميّة في كتاب المهنة ذاتها، يضع شريطاً أسوداً على برواز صورتها، ويعلّقها في جدار صالة الحياة.
-أحياناً تدخل مهنة في مهنة، وتتجاسر صنعة على صنعة، فتنتهي إحداهما، ويظل الدور على الأخرى، إما أن تفني نفسها بنفسها، أو تتجاسر عليها مهنة أخرى فتتمكن منها.
- لا تنتهي المِهَن بالسكتة القلبيّة، لكن بالتدريج، تتغيّر أشكالها وأدواتها وطرائقها، تنفلت من محيطها، وتندمج في محيطات أخرى، ثم تذوب.
- كان السحر في يوم من الأيام مهنة، وكان النّسخ اليدوي مهنة، وكان الدليل في الصحراء مهنيّاً، وكان "البيجر" في يوم من الأيام وسيلة اتصال، ولم تكن ساعة الحائط للزينة فقط، ويبدو أن مهنة الصحفي اقتربت من نهايتها حقاً.
- أحياناً يحدث العكس، تدخل مهنة في مهنة، فتُعيد لها حيويتها، وتنقذها من شيخوختها، يتطلّب الأمر حظّاً سعيداً، وشيء آخر: أن تكون هذه المهنة نفسها غير قابلة للانفصال عن الفن، ومتمّسكة إلى أقصى حد، إلى ما لا نهاية، بحقّها في أن تلعب.
- وفي هذا فقط ما يمكنه إنقاذ الفلسفة وكرة القدم.