|


طلال الحمود
الحالة الطونية
2021-04-25
تتضمن الذاكرة الاجتماعية السعودية شخصيات عاشت سنوات طويلة قبل ظهور القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكان لكل جنسية عربية اسم رمزي يطلق على القادم من بلاد بعينها، إذ يطلق السعوديون لقب “البيه” على المصري، و”أبو شكيم” على السوري في تحريف غير مقصود لاسم “شكيب”، وأيضًا يطلقون على اليمني “أبو يمن” والسوداني “الزول”، وعلى اللبناني لقب “طوني” والحال نفسها تنطبق على أبناء هذه البلدان الذين ينعتون السعودي بلقب “أبو سعود”.
كان لكل شخصية عربية اهتمامات معينة في تعاملها مع المجتمع السعودي، وكذلك نظرة خاصة تجاه الدور الذي تلعبه والنشاط التجاري الذي تمارسه، وكثير ما اتجهت الأنظار نحو “طوني” صاحب المظهر الأنيق والأسلوب المميز في الحديث، فضلاً عن قدراته على الإقناع وتقديم شخصيته وخبرته للآخرين، ما منحه قبولاً لدى طبقة التجار وفي مجالس الوجهاء، خاصة أنه يتحدث بأكثر من لغة، ويمتلك أقارب في أوروبا والبرازيل يمكنهم تسهيل تعاملاته التجارية في العالم ومنحه أفضلية في السوق السعودية.
مع مرور الوقت بلغ “طوني” الرهيب مرتبة لا يوازيها غيره، قبل أن يترك المهمة لجيل الأبناء والأحفاد لمواصلة المسيرة، غير أن هؤلاء استخدموا أدوات العصر بذكاء جعلهم يساهمون في تشكيل حياة المجتمعات العربية وإقناعها بثقافة الاستهلاك غير المحدود، فضلاً عن تطويع المناسبات والأعياد لتصبح سوقًا لترويج بضائع معينة لا علاقة لها أصلاً بالطقوس الدينية أو الاجتماعية.
ومع بدء بث القنوات الفضائية برهن “طوني” براعته في التسويق وإقناع الناس بالطريقة التي اختارها لتعامل الناس مع العيد أو المناسبات الدينية، وباتت الخيمة الرمضانية التي تقدم تحت شعار “الأركيلة” مع أشهى المازات العربية والنغم الشرقي الأصيل، تقليدًا في كثير من البلدان وسوقًا تجذب ملايين الناس على حساب الطقوس الدينية التي لم ينتقدها يومًا.!
بعد سنوات طويلة ظهرت النسخة المحلية من “طوني” في بلدان الخليج وسوريا وموريتانيا وغيرها، إلا أن محاولات استنساخ المعلم الأول انتهت بظهور نسخة رديئة تخلط بين التسويق وفرض القناعات، ما جعل سر الطبخة يبقى في عهدة طوني وحده.
بات طوني السعودي أو الجزائري يسوّق بضاعته من خلال الدخول في معتقدات المستهلك وعاداته الاجتماعية، ومحاولة إقناعه بطرد الرجعية والتخلف بشراء العطر الجديد برائحته الزكية، مع أن هدف المسوّق إقناع المشتري وليس إلقاء محاضرة ثقافية على مسامعه، وهذا سر الخلطة “الطونية” التي لا تهتم بترويج فكر أو فرض قناعات، بقدر اهتمامها بالتسويق والربح.