|


مكمان.. ملك المصارعة المنبوذ بعد نصف قرن

الدمام ـ خالد الشايع 2024.05.03 | 04:00 pm

جلس فينس مكمان لساعات أمام هاتفه الخاص في مكتبه الفخم، الواقع في بناية زجاجية ضخمة في مدينة ستامفورد الواقعة بولاية كونيتيكت، للمرة الأولى منذ 40 عامًا، ينتهي عرض الرسلمينيا دون أن يصاب هاتفه بالجنون جراء الاتصالات المتتالية المهنئة بنجاح العرض الأضخم في العالم.
لا أحد يعلم يقينًا كيف مرت الساعات على الثمانيني المنبوذ، ولكنه بلا شك تملل قليلًا قبل أن يقف، ربما سار بضع خطوات، ليتأمل صورة علاقة لهالك هوجان، وهو يحمل أندرية العملاق، ويرمى به في قلب حلبة بونتياك، ميشيجان، في عرض الريسلمينيا الثالث، الحدث الذي بات أيقونة تاريخية، ربما هذا ما حدث فعلًا، غير مرة قال إن هذه الصورة هي أرثه الحقيقي، وملاذه كل ما يشعر بالإحباط، أي إحباط أكبر من تجاهله بهذا الشكل.
مر 40 عامًا في 40 ثانية، وهو يتذكر كل لحظة من عرضه الأول الضخم، الذي غير شكل مصارعة المحترفين في العالم، لقد رمى بعالم اللعبة رأسًا على عقب، تمامًا كما فعل هوجان بالعملاق الفرنسي في تلك الليلة.
محبطًا، حانقًا، طبيعي أن يكون كذلك، فهو لم يتم تجاهله في ليلته المفضلة وحسب، بل تم نسف أكثر من 45 عامًا قضاها في عالم مصارعة المحترفين، بدأها بمعلق، ثم مدير مواهب، قبل أن يترقى لمنسق مباريات، ومالك لأكبر منظمة لمصارعة المحترفين، خلال أربعة عقود بدأ من الصفر، ليستقر على عرش عالم مصارعة المحترفين والمتحكم فيه.
لا شك أنه في تلك اللحظات، لم يكن يفكر كثيرًا بموعد جلسته في المحكمة، التي يُتهم فيها بالتحرش بأربع مصارعات وعاملات في المجال، بعد أن زعمن أنهن تعرضن إلى التحرش الجنسي بسببه، وحاول الأخير شراء صمتهن مقابل 17.5 مليون دولار، ولكن هذا لم يمنع المكتب الفيدرالي من فتح تحقيق واسع.
كان يفكر بأنه تم الغدر به، من اتخذ القرار ليسوا أغرابًا عنه، شركاؤه وأبناؤه، شين، وستيفاني مكمان، وزوج ابنته بول مايكل ليفاسك المعروف بتربل إتش، مستغلين عبارته الشهيرة «الأفضل للعمل»، هم من يدير العملية الآن، هم من حقق النجاح الكبير في عرض الرسلمينيا الـ 40، وما تلاه.
ما حدث أن مجلس إدارة الشركة، التي باتت متحكمة في عالم مصارعة المحترفين، والمصارعة القتالية، عاقب رئيسه بالعقوبات ذاتها، التي عاقب بها مصارعين وعاملين سابقين في مثل هذه القضايا، النبذ التام، وكأنه لم يكن.
في عام 2017، تورط المصارع الأسطورة هالك هوجان في قضية عنصرية، ولحرص الشركة على صورتها أمام الجمهور، نسفت تاريخ المصارع الشبح، وبات اسمًا على مسمى مع أنه كان واحدًا من أشهر وأهم المصارعين في التاريخ، لم يشفع له كل هذا، تم حذف كل مباريات وصور هوجان، ومُنع المصارعون حتى من مجرد ذكر اسمه، كأنه لم يكن، قبل أن يعفوا عنه قبل عامين.
تمامًا هذا ما يعيشه الأب الروحي لعالم مصارعة المحترفين، أسواء كوابيسه، تم شطبه تمامًا من التاريخ، ومعه الوحش بروك ليزنر بطل العالم السابق، ولكن هذا لا يهم، ليزنر، على الرغم من شعبيته، لم يكن فينس مكمان، مؤسس عالم مصارعة المحترفين، الرجل الذي حوّل شركة «مصارعة صغيرة» إلى شركة ترفيهية عالمية بقيمة مليارات الدولارات، أربحاها في العام الماضي فقط تجاوز 1.2 مليار دولار، تنوع نشاطها بين تنظيم مباريات المصارعة، والإنتاج السينمائي، وألعاب الفيديو، واستوديو للأغاني والمؤثرات الصوتية، وباتت عروضه الشهيرة تنظم في أوروبا، وكندا، والسعودية، والمكسيك، و11 عقدًا تلفزيونيًا.
أُجبر مكمان، البالغ من العمر 78 عامًا، في 26 يناير الماضي، على التنحي عن منصبه رئيسًا تنفيذيًا في المجموعة الإعلامية، التي أنشأتها مجموعة إنديفور القابضة، جزءًا من الاندماج بين منظمة المصارعة العالمية الترفيهية «WWE» وبطولة القتال النهائي «UFC»، العام الماضي، وقبل أيام تم اتخاذ قرار بحذف كل ما يتعلق به في عالم المصارعة، على الأقل حتى تنتهي المحاكمات، وتتضح الصورة النهائية، وربما بعد ذلك بأعوام، قبل يومين اضطر أمام الضغوط لبيع كامل أسهمه في الشركة، ليبقي خلفه أي علاقة له مع عالم مصارعة المحترفين.
يتمسك مكمان بأنه لم يرتكب أي خطأ، وقال في بيان نشره لاحقًا: «أنا متمسك ببياني السابق بأن الدعوى القضائية، التي رفعتها السيدة جرانت، مليئة بالأكاذيب المختلقة، التي لم تحدث أبدًا، وهي تشويه انتقامي للحقيقة. أنوي الدفاع عن نفسي بقوة ضد هذه الاتهامات، التي لا أساس لها، وأتطلع إلى تبرئة اسمي»، ولكن هذا لم يمنع الإدارة من اتخاذ القرار القاسي.
لا يعد فينس مكمان شخصًا عاديًا، على الرغم مما يتعرض له، هو الشخص الذي نقل مصارعة المحترفين من عروض الاحتفالات للعرض عالمية الأبهر، والمصارعين من أشخاص يتقاضون 25 دولارًا عن المباراة، لعقود بعشرات الملايين سنويًا.
في يناير 1980، أسس فينس مكمان، الشاب الطموح اتحاد «TSI» لمصارعة المحترفين، أولى خطواته كانت شراء «CWC » من والده، ليكون المنظم الأول لمباريات المصارعة في النصف الشمالي الشرقي من الولايات المتحدة، من اليوم الأول كانت فكرة مكمان الابن التركيز على الترفيه أكثر من الرياضة، مخالفًا توجه والده، منظم مباريات الملاكمة السابق، ومقررًا توسيع عالم المصارعة، خاصة بعد أن سيطر على الاتحاد العالمي للمصارعة «WWF».
الخطورة الأكبر، التي خطى بها فينس، بيع حقوق المباريات على محطات قومية، خارقًا التعهد غير المكتوب بتوزيع المناطق بين منظمي المصارعة في الولايات المتحدة الأمريكية، والأمر لن يكن سهلًا، هكذا يتذكر مكمان الأب، وواجه غضبًا واسعًا من منظمي المباريات المحليين.
في عام 1984، فكر مكمان في نقلة واسعة للمصارعة، نقلها من عروض المناسبات إلى عروض رسمية ثابتة، وحولها من عروض أشبه بالسيرك لصناعة حقيقة.
من أجل أن يضمن نجاح الرسلمينيا، وقع عقود احتكار مع كبار المصارعين، مثل: هالك هوجان، وأندية، ورودي بيبر، وبول أورندوف، وجاك الثعبان، ولكن النقلة الأهم كانت جلسة عشاء جمعته مع أنا جونسون، والدها المصارع والممثل دوين جونسون «ذا روك»، بعد فترة قصيرة من توليها تنظيم المباريات في منطقة الأطلنطي، كان الحوار الذي دار، ويتذكره جيدًا دوين، الذي كان في العاشرة من عمره، يدور حول كيفية بناء قصص للمباريات، بدلًا من تنظيمها بشكل عشوائي، وتساءل حينها «لماذا لا يكون لكل مصارع قصة بدلًا من اختيار الشخصية فقط».
من هنا بدأت القصة، تحول كبير في عالم المصارعة، مبني على قصص وسيناريوها بين المصارعين، جعلت الجماهير تحضر بكثافة لتتابع الحدث، ويتم الترويج لها عمدًا، وكأنها خلافات حقيقة بين المصارعين.
يتذكر مكمان جلسة العشاء الحميمة، على الرغم من أنه قرر فيها استبعاد زوج أنا، روكي جونسون، بطل العالم، من خططه لكسره بنود عقده، إلا أنه يعدها نقطة تحول كبرى، بدأ بعدها في ربط كبار المصارعين بعقود ضخمة، وتوسيع نطاق عمله ليشمل الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، مستفيدًا من كنز مصارعي «الساموا»، الذي استحوذ عليه في جلسة العشاء تلك.
حول مكمان المصارعين لقسمين، المحبوب والمكروه، في لعبة أشبه بالصراع بين الخير والشر، وجلب مصارعين من روسيا، وإيران، والعراق، ليلعبوا دور الرجل الشرير، مقابل البطل الأمريكي هوجان، وصقل مصارعين كبارًا، مثل توني أطلس، وراندي سافج، وريك فلير، بعقود تجاوزت المئة ألف دولار، بعدما كان المصارع يتقاضى أقل من 100 دولار بالحدث الرئيس في حلبة صغيرة، وفي عروض غير منتظمة، أشبه بعروض السيرك.
رويدًا رويدًا، بدأ اتحاد مكمان يسيطر على العالم، ونجاح الرسلمينيا جعله السلطة الأكبر في المجال، واستحوذ بعدها على «AWE»، و«TTTEW»، وتحولت مصارعة المحترفين لصناعة ضخمة، تنقل مبارياتها حول العالم، «كانت نقلة رائعة» هكذا وصفها في حوار لاحق له مع دوين، كشف عنه في مسلسله «ينج ذا روك».
غير أن تلك النجاحات جلبت له الكثير من المشكلات أيضًا، وبدأ التركيز أكثر على لعبة المصارعة، وأثارت أزمة انتحار المصارع كريس بن وا، ووفاة أوين هارت، الكثير من الجدل، تسبب في هبوط إيرادات الاتحاد كثيرًا، فاضطر لخفض الأجور، ما سمح لاتحاد آخر بالبروز، وخطف الأضواء، «WCW».
«أيامًا عصيبة» يصفها مكمان في حوار مع لاري روبسون، عندها بدأت حرب ليلة الإثنين في منتصف عام 1993، انتهت الحرب بأن استحوذ مكمان على الاتحاد الجديد، وضمه لأملاكه، مع اتحاد «ECW» ليصبح الملك الأوحد للعبة، ويستفيد من نجوم المصارعة الجدد، الأندرتيكر، وشون مايكل، وتربل إتش، وستيف أوستن، ومع الصفقة الجديدة، أعاد هوجان، وبريت هارت، وريك فلير، لقائمته، مؤسسًا «WWE» بالشكل الذي عرفه الآن.
منذ مطلع الألفية، بدأت المصارعة فنًا مختلفًا تمامًا، رؤية مكمان غيرت كل شيء، ولكن الرجل، الذي صنع الأحداث، بدأ يفسدها، في أعوامه الأخيرة بدأ يرتكب الكثير من الأخطاء، وبناء قصص واهية، وتسرب نجوم لأنه يرفض أن يدفع أكثر، والأهم، بحسب كيفن ناش، المصارع السابق، تخفيض العنف في المباريات لجذب جماهير التلفزيون.
ما حدث قبل أيام، كان ضربة أخرى قاسية، لا شك أن مكمان كان يتمنى ولو قليلًا أن يفشل العرض الكبير، ليقارن الجمهور بين العروض، التي كان يقدمها، وعرض تربل إتش، ولكن ما حدث كان العكس، لدرجة أن مهتمين في عالم المصارعة تمنوا لو أن الإقصاء تم قبل أعوام، حرفيًا، دخل عالم النسيان فعلًا.