|


عبد المحسن القباني
اللاعب وحرية التعبير
2025-03-29
«لا يوجد مراوغون لأن اللاعب بالكاد يتسلَّم الكرة حتى يُقال له: مرِّرها!… تخيَّل لو أن ميسي عندما كان في الثامنة من عمره، سمع طوال الوقت من مدربيه: مرِّرها!، لما كان لدينا ميسي اليوم». هذا ما يراه المدرب الأرجنتيني ليونيل سكالوني في مقابلة مع صحيفة «ماركا» الإسبانية العام الماضي. ومن حسن حظنا أن ليونيل ميسي لم يلد بعد عامه ذاك. لقد بزغ وصار معبِّرًا عن جوهر لاعب كرة القدم. إنها الموهبة، وعبَّر عنها بكامل حريته طوال عقدين.

يواجه لاعبو العصر الحالي مصاعب جمَّةً، من إنهاكٍ لأبدانهم بالتمارين الكثيرة، والسفر الطويل، والمسابقات المتعددة، وقمعٍ لموهبتهم بإخراسهم عن التعبير عن ذواتهم الفردية! لقد قلَّ المراوغون، والماهرون، وصرنا نسمع عن مصطلح «اللاعب الروبوت»، أي أن اللعبة تتعامل معهم كأنهم ماكينات. صحيحٌ أن ذلك يقابله تطورٌ في العلوم البدنية من تحسين لياقةٍ، وتعجيل تشافٍ، لكنَّ ذلك كله يؤكد ضمنيًّا أن المنظومة الحالية ترى اللاعب آلة جري، يجب أن تتمرَّن أكثر لتصلب، وتتشافى بسرعة لتركض.

ناقش الألمان تراجع منتخبهم بعد 2014 بسبب الخروجين المبكرين في 2018 و2022. يشدِّد المدرب الألماني المخضرم بيرتي فوجتس على الدور الحيوي الذي يضطلع به نجومٌ مثل ميسي ومبابي في اللعبة، مؤكدًا ضرورة منح اللاعبين الموهوبين مساحةً أكبر للتعبير عن أسلوبهم الخاص داخل الملاعب في ألمانيا. يقول في هذا السياق: «عدم امتلاكنا لاعبين أصحاب مهاراتٍ فرديةٍ فذَّةٍ في ألمانيا كما هو الحال في دولٍ أخرى، يعود إلى أسلوبنا في التدريب. جميع لاعبينا متشابهون، إذ يُطلب منهم إجادة كل شيءٍ وفقًا للأدوار التكتيكية». ويواصل: «دعوا هؤلاء اللاعبين الصغار يلعبون بحريةٍ. آمل أن يتمكَّن لاعبٌ مثل جمال موسيالا، الذي يملك إمكاناتٍ تؤهله ليكون من بين الأفضل في العالم، من تقديم أسلوبه الخاص في اللعب دون أن يُفرَض عليه التقيُّد بقيودٍ تكتيكيةٍ صارمةٍ». ويضيف: «من الرائع والمفيد أن ندمج اللاعبين الكبار في الفريق دون أن نجبرهم على التخلي عن أسلوبهم الفريد، فهم قادرون على إضفاء لمسةٍ إبداعيةٍ، تسهم في تطوير الفريق ودفعه إلى الأمام»، بل إن المخضرم الألماني الآخر فيلكس ماجاث سخر بقوله: «تأسيس موسيالا في إنجلترا أسهم في صقل موهبته، ولو تأسَّس عندنا لقتلنا إبداعه».

قد يكون التشبُّه بأوروبا، جرَّد منتخب البرازيل من برازيليتهم، وقد يكون سببًا في تراجع منتخبنا أيضًا. نحن صرنا لا نشبه أنفسنا! وصار لاعبونا فاقدي الثقة وحبيسي الدكة، ومدربونا يطلبون منهم التنازل عن المعشوقة بكثرة التمرير، والالتزام بالتموضع. يحتاج اللاعب السعودي إلى التعبير عن ذاته منذ الصغر لا إلى قمعه. اعتقوه في نضوجه من الكرسي، واجعلوه يركض مالكًا القرار في الملعب، كما كان ماجد ويوسف ومسعد.