أبحاث علماء هولنديين تكشف حقائق أغرب من الخيال في عالم الساحرة
توصل باحثون من كلية الإدارة بمدينة روتردام الهولندية إلى أن لاعبي كرة القدم قصار القامة يمتلكون قدرات أفضل للتحكم بكرة القدم عند مقارنتهم بطوال القامة، فعلى النقيض من كرة السلة، فإن كرة القدم تتطلب أن يكون اللاعب قصير القامة.
هذه النتيجة والتي قد تبدو للبعض غريبة، خلص إليها الباحثــــون بعد دراسـتهم المعمقـــة لمباريات لكـــرة القدم علــــى امتـداد سبع ســنوات، وقد تم حصر نحو 123844 خطأ، وقد تبين أن نصيب اللاعبين طوال القامة من تلك الأخطاء كان نحو 75 بالمائة، كذلك فقد تابع الباحثون أداء بعض اللاعبين كميسي ومارادونا وغيرهم ممن هم من قصار القامة، ولدى مقارنتهم بلاعبين طوال القامة كبيتر كراوتش وإبراهيموفتش تبين أن قصار القامة عموماً تكون أخطاؤهم في الملعب قليلة.
ولم تشهد كرة القدم تغييرات كبيرة رغم توالي السنوات والمواسم، حيث أحدث الأولون رياضة متكاملة دون حاجة لتعديل الكثير من أمورها رغم مرور الوقت. فمعظم الإبتكارات والإجتهادات تركز بشكل حصري على اللياقة البدنية وسبل تحسينها، اعتماداً على التقدمات الحاصلة في معرفة أسرار الجسد البشري وسماته، أو ترتبط بطرق التدريب والتمرن، وهو ما ينعكس على إيقاع المباريات ويجعله أكثر سرعة.
لذلك قد يعتقد البعض أن ممارسة الساحرة المستديرة في أعلى المستويات رهين بتوافر بعض الجوانب البدنية من قبيل الصلابة والقوة وطول القامة، أليس كذلك؟ الجواب أن الجوانب البدنية الخاصة بالصلابة والقوة مهمة وضرورية للاعب الكرة إلا أن الخبراء يذهبون إلى أن ربطها بمدى طول اللاعب اعتقاد خاطئ. إذ هناك الكثير من اللاعبين الذين ذاع صيتهم واشتهروا رغم قصرهم، خصوصا في السنوات الأخيرة، بل ومنهم من أصبحوا نجوماً لا يشق لهم غبار.
يكفي الرجوع إلى أسماء أصحاب المراكز الثلاثة الأولى في السباق على جائزة كرة القدم الذهبية التي يمنحها (فيفا) سنوياً للوقوف على هذه الحقيقة، إذ لا يتجاوز طول أي واحد من اللاعبين الثلاثة الأفضل في العالم سنة 2010 متراً وسبعين سنتيمتراً: ليونيل ميسي (1.69) وأندريس أنيستا (1.70) وتشافي هيرنانديز (1.70). وقد أثارت هذه النقطة اهتمام رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف سيب بلاتر نفسه، وتحدث عنها في حوار حصري مع موقع FIFA.com مطلع العام الجاري قائلا: “هذا دليل على أن عالم كرة القدم مفتوح أمام الجميع. ليس من الضروري أن يكون المرء فارع الطول أو قوياً جداً لممارستها بشكل جيد. لا تنطبق هذه الخاصية على لاعبي الحاضر فقط، إذ كان لاعبون مثل جيرد مولر وأوي سيلر ودييجو مارادونا وجان بيير بابان قصار القامة أيضاً.”
نعمة لا نقمة
ما أقــل الأنواع الرياضيـــة التــي تقتضـــي الاحتـكاك البدني ويتمكن فيها قصار القامة من فرض الذات. كما تؤكد قوانين الميكانيكا الحيوية بالفعل أن قِصَرَ القامة عنصر إيجابي بالنسبة لممارسي الساحرة المستديرة. إذ يكون مركز ثقل جسد الإنسان القصير أقرب من سطح الأرض، مما يعطيه توازناً أكبراً. لذلك تصير هذه القاعدة العلمية واضحة للعيان عندما نشاهد اختراقات لاعبين مثل دييجو مارادونا (1.66) أو ميسي، وقدرتهم على التحكم في الكرة والتقدم بها أمتاراً طويلة، رغم تدخلات الخصوم ورغم تغييرهم المستمر للمسار. كما أن قائمة اللاعبين القصار القامة الذين تتوافر فيهم هذه السمة، أي القدرة على المراوغة وما يقتضيه ذلك من تغيير للمسار دون فقدان للتوازن، دليل آخر على صحة هذه القاعدة العلمية. فهناك الفرنسيان آلان جيريس (1.62) وجون تيجانا (1.68) والألمانيان توماس هاسلر (1.66) وبيير ليتبارسكي (1.68) والأسكتلنديين جيمي جونستون (1.57) وآرتشي جيميل (1.67) ناهيك عن البرازيلي جارينشا (1.69)...
ولكن رغم ذلك ما زال طول القامة واحداً من المعايير المعتمد عليها عند البحث عن المواهب الواعدة، لا سيما بالنسبة لحراس المرمى ورؤوس الحربة والمدافعين المتأخرين. وقد صرح النجم البرازيلي روماريو (1.69) بعلاقة مع هذا الموضوع: “لم يلحظوا علي قصر القامة أبداً، ربما لأن هناك من كان يدرك في قرارة نفسه أن ذلك لا يحول بيني وبين بلوغ المرمى.” لم يشكل قصر القامة بالفعل عائقاً أمام هذا الهداف الداهية الذي لقب طوال مسيرته الكروية بـ”بايشينيو” (القصير باللغة البرتغالية). إذ مكنه التموضع الجيد والسرعة داخل معترك العمليات من تسجيل أهداف حاسمة بضربات رأسية محكمة، من قبيل الهدف الذي منح المنتخب البرازيلي كوبا أمريكا سنة 1989 ضد أوروجواي وهدفه ضد السويد الذي ضمن تأهل السيليساو إلى موقعة نهائي كأس العالم بالولايات المتحدة الأمريكية 1994.
هناك من اللاعبين من عانى التهميش والإقصاء في بعض الأوقات بسبب قصر القامة، ومن بين هؤلاء من توفق في فرض الذات وبلوغ النجومية، كما هو شأن كريستيانو رونالدو. وقد استحضر هذا الداهية البرتغالي تلك المرحلة من حياته قائلاً: “لم أكن على الدوام طويل القامة. عندما غادرت جزيرة مادييرا، وسني يناهز 13 عاماً، شكك الكثيرون في إمكانيات نجاحي بسبب قصر قامتي. لكني ازددت طولاً بين 15 و18 سنة، وبلغت قامتي الحالية (1.85)”. كما تكررت التجربة ذاتها مع المدافع دافيد لويز، الذي استبعد من فريق الشباب التابع لنادي ساو باولو بسبب قصر القامة، وقد أصبح اليوم فارع الطول (1.89) وواحداً من نجوم تشيلسي والمنتخب البرازيلي.
في الهجوم كما في الدفاع
يصعب على المدافعين التألق إذا كانوا قصار القامة، ولا تتأتى النجومية إلا لمن كان منهم قادراً على القيام بأدوار هجومية كالألماني فيليب لام (1.70) والبرازيلي روبرتــو كارلــوس (1.68). بينمـــا يعتبر نجاح أسماء مثل حارس المرمى المكسيكي خورخي كامبوس (1.73) وأفضل لاعب في العالم في مونديال 2006، الإيطالي فابيو كانافارو (1.74)، بسبب أدوراهما الدفاعية وصدهما للأهداف، استثناء كبيراً في عالم الساحرة المستديرة.
أما المدافع الفرنسي بيسنتي ليزارازو (1.69)، فقد واجه صعوبات جمة لإثبات الذات والتألق في عالم كرة القدم، وهو الذي دافع عن ألوان المنتخب الفرنسي 12 سنة وفاز معه بكأس العالم. وقد تحدث هذا اللاعب عن بداياته وما رافقها من مشاق قائلاً: “عندما كان عمري 15 سنة، أخبرني المسؤول عن الفئات الصغرى لفريق ميرينياك أني لا أمتلك المستوى اللازم لدخول عالم الاحتراف.
وكان قراره قاسياً علي. عندما يكون المرء طفلاً ويخبرونه بأنه ضعيف البنية، فإن ذلك يزيد من حماسه، لا سيما إذا كان شخصاً عنيداً مثلي. كان وزني عندما بدأت مسيرتي 69 كيلوجراماً، لكني كنت أواظب على التمارين في نهاية كل موسم، حتى بلغت 75 كيلوجراماً. كنت أشبه عجلاً صغيراً، لكني كنت قادرا على المنافسة والصراع.” ثم أضاف: “عندما يمتلك المرء كل شيء، يتوقف على التنافس والصراع بنفس القوة. لذلك عندما نقرر نحن قصار القامة أمراً ما، فإننا نبذل جهوداً مضاعفة. تساعدنا الجوانب النفسية كثيراً على النمو.” لقد بلغت كرة القدم حقبة اعتقد الجميع فيها أن النجاح سيكون حليف أصحاب البنية الجسمانية الضخمة. لكن حاضر الساحرة المستديرة يكذب هذه الإدعاءات، ويؤكد أنها رياضة للجميع.
وما إعجاب العالم قاطبة بأسلوب برشلونة إلا دليل قاطع على ذلك. فعلاوة على ميسي وتشافي وأنيستا، تضم ترسانة النادي كلاً من دافيد فيا (1.75) وبيدرو (1.69) وبويان كركيتش (1.71). كما لا تقتصر هذه الظاهرة على الفريق الكاتالوني، حيث يمتلك أودينيزي الإيطالي واحداً من أفضل خطوط الهجوم في الكالتشيو هذا العام، بفضل الثنائي أنطونيو دي ناتالي (1.70) وألكسيس سانشيز (1.72)، وينطبق الأمر ذاته على المنتخب الهولندي ونجمه ويسلي شنايدر (1.70). لذلك حق لنا أن نقول: لا فرق بين طويل أو لا قصير في عالم كرة القدم إلا بالأداء والمردود. على الصعيد المحلى سطعت على ساحة المسابقات والبطولات أسماء أصحابها ضمن قائمة قصار القامة ولكنهم وضعوا بصماتهم على ساحات المستطيل الأخضر بعضهم تحول إلى رموز كروية بالبذل والعطاء والنجومية غطى أداءها حتى على طوال القامة.
من هذه الكوكبة التي صالت وجالت على الملاعب السعودية لاعب الهلال محمد الشلهوب( 1,63) متر الذي التحق بالهلال في عمر العاشرة وحصد معه العديد من الألقاب على الصعيدين المحلي والقاري، بل حقق بموهبته الفطرية إنجازا عالميا شخصياً غير مسبوق لا على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى العربي والآسيوي أيضا عندما احتل الترتيب السادس لأبرز الناشئين على مستوى العالم. قائمة قصار القامة تضم أيضاً زميليه في الهلال نواف العابد (1,72متر) وعبد العزيز الدوسري (1,73متر) فضلا عن لاعب الاتفاق يحيى الشهري، وهناك المعتزلان خالد القهوجي لاعب الأهلي والاتحاد السابق إضافة للاعب النصر السابق مرحوم المرحوم.