لا يمكن لنا استرجاع لحظة سابقة دون تغييرها!
ـ كثير منّا راوده هذا الحُلُم الفيزيائي، بتحريض من آينشتاين، حُلم أن نتمكّن من العودة إلى الماضي، إلى رؤية لحظة سابقة، أو إلى تغييرها!. أفلام سينمائيّة كثيرة لعبت على هذا الوتر ونجحتْ!.
ـ لكن آينشتاين وضع شرطًا، لم يقدر عليه الإنسان بعد، ولا أظنّه سيقدر، آينشتاين نفسه أعدم إمكانية وصول الإنسان لسرعة الضوء، والشرط اللازم للعودة إلى الماضي أو القفز إلى المستقبل، هو الحصول على سرعة أكبر من سرعة الضوء، فالتساوي يوقف الزمن في لحظة أبديّة.. لا ماضي فنرجع ولا مستقبل فنتقدم!.
ـ لكننا نعود للماضي كثيرًا، نسميه الماضي، التاريخ، التراث، القديم. المدوّن منه في سجلّات وكتب، والمحفوظ منه في الذاكرة وعلى الألسنة، يُرجع إليه كثيرًا أو دائمًا!.
ـ المشكلة إذن في ظننا بعدم القدرة على التأثير فيه أو تغييره، ولا أدري إن كانت بُشرى أم فاجعة، غير أنّ ظنّنا هذا خاطئ!. الحقيقة أنّه لا يمكن لنا استرجاع لحظة سابقة دون تغييرها!.
ـ القديم ليس قديمًا كما نظنّ!. على الأقل ليس قديمًا تمامًا!. فما دام أنه وصل إلينا فهو حيّ ومتحرّك، وبما أنه كذلك فهو متغيّر وقابل للتمدّد وللانكماش!. بل إنه غير قابل لغير التّمدّد والانكماش!.
ـ طريقتان فقط يمكن للقديم ألا يتغيّر معهما ومن خلالهما، الأولى أن يتحقق الحلم الفيزيائي فعلًا، فنتمكّن من إبقاء الماضي على حاله بينما نأتيه نحن للمراقبة، تمامًا كما نشاهد فيلمًا سينمائيًّا!. وهذا مستحيل، فنحن نفهم الفيلم السينمائي فهمًا مختلفًا كل مرّة، والمشهد الذي شهدنا له بالإتقان قبل سنة، قد نراه باهت الأداء بعد سنة، وبالتالي فإنْ نظرتنا إلى المشهد بحذافيره، لم تَحُل بيننا وبين تغييره أيضًا!.
ـ الطريقة الثانية أكثر استحالة!. وهي أن نضمن حضور كل هذا الماضي مُسجّلًا ومكتوبًا، برؤية كل من عاشوا فيه له!. وأكثر: بعدم إقصاء أي مشهد من هذا الماضي!. لكن وبما أن المكتوب يمثّل نظرة من كتبه فقط، وبما أنّ هذا المكتوب مُنتَخَبٌ مما حدث وليس كل ما حدث؛ فقد تم تغيير هذا الماضي لحظة تدوينه!.
ـ أنتَ تستطيع تغيير الماضي، بل إنك لا تستطيع غير ذلك!. حتى لو جمّدته فقد غيّرته!. الماضي ليس هو ما عليه بالمرّة!. في أكثر حالات الأمانة هو عجينة في صحن الحاضر، وفي فُرْن الحاضر، يأخذ من نكهة الحاضر ما يأخذ: تصويرًا أو تزويرًا!.
* * *
ـ سلام يا أحبة. إنْ كتب الله لنا عمرًا وحبرًا نلتقي بعد الإجازة التي تبدأ غدًا بإذن الله. مبارك عليكم الشهر الفضيل، تقبّل الله منّا ومنكم صيامه وقيامه.