ضد المكتبة.. كتاب يا حَظّ من قرأه!
ـ عدد كبير من القرّاء المحظوظين بوجود مكتبات محظوظة بجلوسهم فيها، يُصدّقون هذا: الكُتُب تتحرّك!.
ـ في النهار تُحَرِّك صاحبها، يدور عليها فيتحرّك جسده، ويدور فيها فتتحرّك أفكاره!. لكن في الليل، عندما تُطفَأ الأضواء، وينام الجميع، تصير للكتب أرجل تمشي بها. تنبت لها أجنحة كأجنحة الدجاج تكفي لما هو أكثر من القفز وأقل من الطيران!. تَنْمو لها أذرعة للاحتضان، وأكُفّ للمصافحة!.
ـ لألبرتو مانغويل كتاب بديع اسمه "المكتبة في الليل"، وقد قضيت عمري أحلم بمكتبات ليليّة، مكتبات عامّة أو حتى مكتبات تجاريّة خاصّة، لا تفتح إلا ليلًا، أو أنها تظل مفتوحة طوال الوقت. إغلاق المكتبات ليلًا لا يُشكّل سُمعة بشريّة طيّبة في ذاكرة القمر والنجوم!. كنت أحلم بأنّ أكون أمين هذه المكتبة أو صاحبها. قبل سنين طويلة تحدّثت مع أصدقاء قليلين حول هذه الفكرة، وعلى قلّتهم، فإن أكثر من نصفهم اعتبرني مخبولًا، والبقيّة اعتبروني فاشلًا في التجارة دون الحاجة لتجريب الأمر!. ظل اسمها في خيالي: مكتبة الليل!.
ـ الأسماء مهمّة. قبل فترة تسوّقت من مكتبة جميلة في أحد أسواق دبي، عرفت فيما بعد أنها واحدة من أشهر المكتبات، أظن أنها بدأت من الصين، وتفرّعتْ، كان اسمها خزانة أو مخزن الكتب. ضقت ذرعًا!. لم يكن اسمًا موفّقًا أبدًا!.
ـ كلمة مخزن لا تليق بالكتب، المخازن رطبة، دار عَجَزَة للأثاث، مهما بدَت رحيمة فإنّ مجرّد وجودها تدشين للقسوة، وقبول بالإجحاف!.
ـ أجمل اسم لمكتبة جاء من كولومبيا: "قوّة الكلمات"!. اسم بارق، مُشِعّ ومُحرِّض. وحكايتها عجيبة ومُحفِّزة. كان صاحبها زبّالًا في الأساس!. جمع كتبها من قمامة البيوت!.
ـ بعض الأعمال الأدبية، العظيمة خاصةً، تنبت لها أجنحة ليست كأجنحة الدّجاج، أجنحة حقيقيّة قادرة على فضاءات أرحب!. وربما، لأن رواية تولستوي "آنا كارنينا" عمل أدبي عظيم بحق، طارت نسخة من بيت أحدهم، وراحت تنقر الحَبّ في الشارع. هناك التقاها سائق شاحنة القمامة "خوسيه ألبرتو غوتيريز"، وبدءًا بها كوّن مكتبته الرائعة "قوّة الكلمات"، مكتبة تمنح الكتب لمحبّيها في استعارات مجّانيّة!.
ـ حكاية مكتبة الكولومبي "خوسيه"، وأشياء أخرى كثيرة رائعة، عظام ديناصورات، كحل بنات ألهب العشّاق، فلفل وعسل، هديل حَمَام وشحيج بِغَال، ورود آيِلة للبقاء طول العمر، ومَحارِم ورقيّة تصلح للاستعمال مرّة واحدة فقط!، عقلية فذّة لِحُكَمَاء وطيش مجنون لحمقى!، وأكثر، نثرها "خليل صويلح" بشاعريّة مرهفة في كتاب، يا حظّ من قرأه، اسمه "ضد المكتبة"!.