ضوء الأخلاق وعيون المشاعر!
ـ نِصف، رُبع، أقل أكثر، لا أدري عن النِّسَب، الأكيد أنّ الأخلاق تُشكِّل جزءًا مهمًّا، وأصيلًا، مِن الإدراك!.
ـ تُضيء دربه أو تُعتمه. تبقيه نَشِطًا، مفعمًا بالحيويّة، قادرًا على لعبة الفكّ والتركيب ببراعة، نابِه السؤال والاستنتاج، بارعًا في التقاط الحكمة والخُلاصة، أو تُبْديهِ مترهِّلًا، كسولًا، بالكاد يقدر على التقاط أنفاسه، فإنْ أبصر، أبصر مثل مُدَوَّخٍ من ضربةٍ على رأسه أو دُخان مُخَدِّر!.
ـ لا يُمكن لقليل صبرٍ أنْ يُتمّ إنجاز شيءٍ، ثمّ يكون هذا الإنجاز مُتْقنًا، والصبر أخلاق!. والسّماحة أخلاق. ولا يمكن لغير من زُرِعَتْ السّماحة في صدره أن يفهم أمرًا فهمًا يقترب من التّمام، ولا أن يستوعب ظَرْفًا أو حالةً أو أحاسيس، استيعابًا يسمح بِمُعايَشة، أو بحُكمٍ عادلٍ، أو يُقدِّرها تقديرات تُحَفِّز على إنصافٍ أو مساعَدَة أو مواساة!.
ـ المشاعر الإنسانية موجودة لدى جميع البشر، الغضب والرّضا والاستياء والارتياح والتّأفّف والسُّلُوّ!. الرغبة في الاحتجاج والحلم في الامتزاج!، كل هذه المشاعر والأحاسيس موجودة في كل إنسان، وكلّها عيون!.
ـ نحن لا نرى بأعيننا التي في رؤوسنا غير السطح من كل شيء!. العميق لا يُرى إلا بعيون عميقة!. هذه العيون العميقة موجودة فينا، في مشاعرنا، أو فيما نسمّيه بالضمير!.
ـ والأخلاق هي الضوء الذي يُسقَط على الأشياء العميقة ثم يرتدّ مُنعكسًا على عيوننا العميقة لتَتَبَلْور الصورة!. كل خُلُقٍ شمس، غير أنّ النجوم تموت أيضًا!.
ـ في هذه المسألة لا أظن أنّ بمقدور التعليم أنْ يلعب دورًا كبيرًا!.
ـ بين يَدَيْ التّربية والفن، تسكن وتتحرّك الأدوار الكبيرة!. والتّربية أولى وأهم. هي البداية والمُنطلَق. يصعب أصلًا على سَيِّئ التّربية أن يتعامل مع الفن!.
ـ مستدرِكًا، أُشير إلى واحدة من العجائب: يمكن لسيِّئ التربية أنْ يكون فنانًا!. هذا ما لا أفهمه لكنني لا أقدر إلا على الإقرار به!.
ـ يصعب الاقتناع بحصول "أبو نواس" هنا، أو "جان جينيه" هناك، على تربية طيّبة، ولكنهما هنا وهناك نيرانٌ على أعلام في فنونهما!.
ـ هل هي استثناءات؟!، لا أدري!. هل للأمر صورة أخرى لم أتبيّنها بعد، أظن!. الأكيد أنّ التّلقّي الفنّي لا يمكنه التحرّك، أو البقاء حيًّا، دون أخلاق حميدة، هي في الغالب نتيجة تربية صالحة!.
ـ التلقّي الفني، ومن أهم أشكاله القراءة، أؤكد: القراءة، أكرر القول ألف مرّةٍ ومرّة: القراءة!، يُسهم دون شك بتدريب وتهذيب وترتيب مشاعرنا، بما يسمح لسِعَة الصدور والآفاق الكشف عن طاقات أخلاقية رائعة، هي فينا لكننا بالتربية من ناحية وبالانغماس في الفنون والآداب من ناحية أخرى، نستدل عليها، ثم بها!.
ـ حتّى الدِّين، وهو ضابط الأخلاق الأوّل، يمكن للتربية الفاسدة تشويهه والانحراف بتعاليمه إلى مُشتهيات نفس مُتدنيّة، وإلى قلب مفاهيمه رأسًا على عَقِب، خاصةً وبالذات في غياب الآداب والفنون الجميلة!.