الجمهور في المُدرّج الآخَر!
ـ لا أغضب من ردود محبّي كرة القدم، يقولون ما يقولون، فأدافع عنهم. قال: لكن بعض الردود تسيء إليك فعلًا، دون وجه حق!. قلت: إنها المحبّة!.
ـ جمهور كرة القدم، الجمهور الرياضي عمومًا، لا يمتلك غير المحبة!، إنه يُحبّ الآخَر حتى وإن ظنَّ أنه يكرهه!. يدري في داخله أنه لا وجود لأحدهما دون الآخَر!.
ـ صحيح أنني أرفض الإساءة، لكنني أتحمّلها بفهم وبحب. أوّل ما أضع في حسباني أعمارهم!.
ـ غالبيّة المناوشات تأتي من شباب في أول العمر. السِّنّ الصغيرة يحق لها الانفلات والطيش، هي مُقبلة على التّريّث والحذر وانتقاء الكلمات الثقيلة!. لا داعي لاستعجال مثل هذه الأمور المُملّة والرّتيبة!. الدنيا وللأسف ستعلّمهم على المُجاملات الكاذبة، من حقّهم الاستمتاع بقلّة التدبّر إلى أنْ يحين الوقت!.
ـ دعهم يقولون ما يشعرون إنهم يريدون قوله بالكلمات التي لديهم، الكلمات القليلة والبسيطة والسهلة وغير المقيّدة بالمحاباة!. لهم هذا السطر هديّةً من كتاب "البلاغة العاميّة": لدانْتي: "إنّ اللغة التي يتعلّمها الأطفال الرُّضَع وهم في أحضان أهْلِيهم لَهِيَ أكثر نُبْلًا من اللغة المصطنعة والنصوص التي يتعلّمونها في المدرسة"!
ـ بالنسبة لي: أستمتع بصدقهم، ولأنني بيني وبين نفسي أقول ما يقولون وأكثر أثناء المباريات، فأنا نادرًا ما أتابع المباريات مع مجموعة!، أفضّل أنْ أكون وحدي، أو على الأقل مع غرباء لا يعرفون ماذا أقول!. أحكم على نفسي بالعزلة قدْر المستطاع!. أعتزل الناس لألتقي بطفولتي!. أرى في التشجيع الكروي فُرصة لا تُعوّض لاستعادة مشاعر العمر البِكْر!.
ـ وحين أقرأ تفاعلات الأحبة، الذين أفترض دائمًا أنهم في سِنّ أبنائي، أغبطهم على صدقهم وشجاعتهم، على وضوحهم، على رفضهم الانعزال، على بقائهم في الجَمْع، على استمتاعهم بجنون الجمهرة، وعلى قدرتهم على التّنمّر!.
ـ نصف من يظنون أنني أصلح قدوةً في هذا الأمر، هم فيما لو رأوني على حقيقتي، لاتّخذوني عِظَةً وعِبْرَة!.
ـ من قال إنني حين أكتب، أُغرّد في تويتر، أو أُحبِّر مقالةً هنا، أكون على سجيّتي تمامًا وعلى طبيعتي حقًّا؟!، إنهم أشجع منّي وأكثر حريّةً، والأهَم أنهم أكثر منّي تمسّكًا بحريّتهم، ينفلتون لأنهم يرفضون انفلاتها!.
ـ أمّا عنّي فأنا لا أَظهَرُ مشجّعًا عبر الكتابة ووسائل التواصل، إلّا كمقيَّد بحبال مسرح عرائس الخشب!.
ـ هم أصدق، وأمنيتي أنْ أكون مثلهم، لكنه السِّنّ وما أظنّه شهرة!.
ـ قولوا ما تشاؤون يا أبنائي، أدري أنكم لا تقصدون الإساءة لمجرّد الإساءة، كلنا "نتحلطم" وكلنا نحب "الطقطقة"، ومن لا يجيدها فينفلت لسانه بغضبٍ خادش، مُسَامَحٌ دُنيا وآخَرة!.
ـ اسمحوا لي فقط أنْ أتواجد بينكم من حين لآخَر، فأنا أحب الحياة أيضًا!.
ـ نحن في التشجيع واحد وإنْ لم نكن في مركبٍ واحد!. من كتاب "ترتيلة" لآيان راند: ".. عَضَضْنا ذراعنا لعلّ ذاك الألم الآخر الذي لم نُطِق احتماله يَكُفّ"!. نعم: أحيانًا يعضّ الإنسان يده اليمنى أملًا في التخفيف عن نفسه من ألمٍ في يده اليسرى!.
ـ بالنسبة لي خفّفوا الحذر، أو أهملوه تمامًا، كُرْمَى لبراءتكم وطُهر قلوبكم. فقط أحذّركم، هناك بالطبع من هم أحسن خُلُقًا وأطيب نفْسًا مني بكثير، لكن هناك أيضًا من لا يتفهمون مشاعركم، وقد يرفعون عليكم قضايا في المحاكم ويكسبونها، والمشكلة أنّ هذه واحدة من حقوقهم المشروعة، لا يُلامون عليها أبدًا، فانتبهوا!.