2018-04-19 | 03:52 مقالات

المقابسات والستارة وأرض الأحلام!

مشاركة الخبر      

ـ أرتّب مكتبتي، يأخذ الأمر منّي يومين أو ثلاثة على الأقل، ثم لا يأخذ أكثر من 24 ساعة لتعمّ الفوضى!.



ـ اكتشفتُ أنني أحب هذه الفوضى، صانعة المفاجآت، حيث تبحث عمّا تريده، لا تجده، ترتبك، تغتاظ، لكنك تلتقي بما كنت تحتاجه!. إنْ بَدَا لك هذا المعنى مُعقّدًا أو غير واضح، أتمنى منك الرجوع لمشاهدة فيلم "أرض الأحلام" للعبقري داود عبدالسيّد، بطولة فاتن حمامة ويحيى الفخراني، الفيلم كله يدور حول هذا المعنى!.



ـ كنتُ أبحث عن كتاب، "أحتاجه" لزاوية الغد. كما تعرفون "بلكونة الجمعة" استراحة مع مقتطفات من كتاب. كان الكتاب بين يدي قبل أيام، أين وضعته؟!، يا للربكة!. وكأنه تبخّر!.



ـ فجأة لقيتني أدسّ يدي بين كتابين: المقابسات لأبي حيّان التوحيدي، والستارة لميلان كونديرا، كيف تقاربا إلى هذا الحد، لا تصنيف يجمع بينهما، لكنني أؤمن بمواعيد الصدفة!، وبالأرواح تتلاقى!. في المكتبة: لا جُور في مُجاوَرَة!.



ـ في آخِر أيامه، أحرق أبو حيّان التوحيدي كتبه، ليته لم يفعل، فما بقي له بين أيدينا يدل على عبقرية خالدة، ويكشف عن نبوغ.. نبوغ.. نبوغ.. كرّر الكلمة من هنا لصبح اليوم التالي لن تفيه حقه!. من حسن حظّنا أنّ محاولة الانتحار المجازيّة هذه لم تنجح تمامًا!.



ـ كتاب المقابسات لا يُمَلّ، وكل ما كتبه التوحيدي شهيّ ومشوّق، بل وساخن إلى الحَد الذي تشعر معه أنّك فيما لو وضعت يدك على سطرٍ لتمدّد الحِبر على الورقة وتلطّخَتْ يدك!. 



ـ أحرق كتبه، ضاقت به الدنيا، وقرف من الناس، فأحرقها!. وقد كان "يريد" من كُتُبِهِ جاهًا فلم يحصل له!.



ـ من رسالة، يضيق بها المكان، كتب لصديق: "هذه الكتب حَوَتْ من أصناف العلم سرّه وعلانيته. فأمّا ما كان سرًّا فلم أجد له من يتحلّى بحقيقته راغبًا!. وأمّا ما كان عَلَانِيَةً فلم أُصِب من يحرص عليه طالبًا!."،..، "كيف أتركها لأناسٍ جاوَرْتُهم عشرين سنةً فما صَحَّ لي من أحدهم وِدَاد؟!"،..، " اضطررتُ بينهم بعد الشهرة والمعرفة في أوقات كثيرة إلى أكل الخضر في الصحراء،..، وإلى ما لا يَحسن بالحُرِّ أنْ يرسمه بالقلم"!.



ـ على كل محبّتي للتوحيدي، وبسببها، أغتاظ منه، وألومه، ليته لم يفعل!. ليته صبر قليلًا، أو جَبُنَ فلم يُنفِّذ!.



ـ فجأة يظهر "سترافينسكي" في كتاب الستارة لكونديرا، هازئًا منّي، مُدافعًا عن أبي حيّان التوحيدي: "هذا لا يعنيك يا عزيزي!،..، لأنّ ما أبدعه المُؤلِّف لا يخصّ أباه أو أمّه، لا يخصّ وطنه ولا الإنسانيّة، لا يخصّ إلّا ذاته، ويمكنه أنْ ينشره متى شاء وإذا شاء، يمكنه تغييره وتصحيحه، إطالته وتقصيره، إلقاءه في حوض غسيل وتشغيل طَرّادة الماء، دون أنْ يترتّب عليه أي تبرير لأي شخصٍ كان"!.



ـ ألهذا قَرُبَ الكتاب من الكتاب؟!. أظن نعم، للأخذ بيدي إلى ما "أحتاجه" لا إلى ما "أريده"!. أذكّركم بضرورة مشاهدة فيلم "أرض الأحلام"!.