ما أرانا نقول إلا رجيعا.. ومُعَادا!
يدخل إيليّا أبو ماضي، ورجل آخر يظل واقفًا عند الباب، شاعر المهجر ينشد: "لا يحبّ المرء حتى يفهما"، فأكتب: فكِّر إلى أن تُحِب!.
ـ يدخل الرجل الثاني، يُعرِّف بنفسه: أنا لست أنا، وأنا و الـ "لستُ" اسمنا جلال الدين الرومي!، ويقول: "عندما يأتي العشق على حين غرّة، وينقر على نافذتك، اركض ودعه يدخل، لكن أولًا، أغلِق باب تفكيرك، حتى أدنى فكرة قد تطرد الحب"!. فأكتب: فكِّر إلى أنْ تحِب، وعندما تُحبّ لا تفكِّر!.
ـ وقد يحدث ألا أنقل إلى الكتابة، فكرة الدخول ولا قصّة الاستضافة، أكتفي بما كتبته: "فكِّر إلى أنْ تحب، وعندما تُحِب لا تُفكِّر"!.
ـ لكل كاتب مؤونته ممّا قرأ، وفي حوار قديم مع محمود درويش، قال ما معناه: على الشاعر "الكاتب" أن يُخفي قراءاته، ليس مُطالبًا بكشف الآبار التي ينهل منها!. كان درويش مفتونًا بإبقاء اللعبة السحرية سرًّا!.
ـ نعم، يحق له، طالما أنه يخلط شرابًا بشرابٍ، يحدّد مقادير الخلط، ونِسَب التمازج، يضيف عنصرًا ثالثًا، ورابعًا، وعاشرًا، ماء من ألف بئر هو ماء من بئر جديدة!.
ـ وفي كل إضافة حذف لجزء مما سُكِب سابقًا، ويضع شيئًا من روحه أشد أصالةً، وفي النهاية يخرج لنا بمشروب يحمل اسمه، لا مسروقًا ولا مُختَلَسًا، بل نزيه ومؤتَمَن، في هذه الحالة يمكن اعتبار قوله موهوبًا لا منهوبًا!.
ـ القراءة تمنح الكاتب طاقات هائلة لقول ما يريد، تساعده أكثر من أي شيء آخر على التقاط الفكرة، والتنويع على أفكار غيره، لكن ذلك لا يحدث بقراءة أُحاديّة الاتجاه، وهو ما يقع فيه كثير ممن لا يقرؤون لغير كاتب أو كاتبين، مثل هؤلاء يقعون في السرقة ويدرون بها ويخفونها، حرجًا أو مَرَجًا!. والحَرَج شظف، والمَرَج فساد، هذه مرادفات كل منهما!.
ـ والتقليد أكرم من السرقة خُلُقًا، لكنه أدنى منها أمانةً!.
ـ على الأقل فإن السارق لا يدّعي بينه وبين نفسه "وهو الأهم" أنه صاحب الشيء المسروق!. ثم إنه يترك المجال مفتوحًا للبحث، ومتى ما عثرنا على النص الأصلي قَبِل السارق بحكمنا عليه!.
ـ المقلِّد يُغلق الباب، لا علينا بل على نفسه!، وكم من مقلِّدٍ كتب عن الحريّة، تقليدًا لكتابة غيره عنها، حتى اختنق!، لو كتب مديحًا في وعن العبودية من تلقاء نفسه، دون تقليد فج، لكان أبرك له وأوسع!.
ـ الكتابات كلها مزاوجة، والمزاوجة صبر وكرم!. يدخل كعب بن زهير:
فاصبري مثلما صبرت فإنّي..
لا إخالُ الكريمَ إلا صَبُورا!.
أيّ حينٍ وقد دَبَبْتُ ودَبَّتْ..
ولَبِسْنا من بعد دَهرٍ دُهورا:
ما أرانا نقول إلا رجيعًا..
ومُعادًا من قولنا مَكْرُورا!.