بين القصيدة والمقالة!
في كل كتابة نقص وقصور. أو أنني أتحدّث عن تجربة شخصيّة، لا أتذكّر أنني كتبت مقالةً، ثم لم أتمنى بعدها شيئًا من حذف أو إضافة أو تغيير!.
ـ ربما حين يتعلق الأمر بالشعر، لا يكون ذلك الشعور حاضرًا بكل هذا الثقل أو بنفس الدرجة من الحياء والتردد!.
ـ لا أتذكر عمومًا غير عدد قليل جدًا من القصائد التي كتبتها ثم تمنيت بعدها حذفًا أو إضافة أو تغيير، ودائمًا ما يكون الحل سهلًا وبسيطًا في مثل هذه الحالات: أحذف وأُغيِّر وأُضيف!. ذلك لأنني أشعر أنّ قصيدتي ملْكِي، حتى بعد نشرها!. هذا الشعور يتبدد حين أكتب عن الشعر وليس حين أكتب شعرًا!.
ـ حين أكتب مقالة عن الشعر، أو عن أي شيء آخر، مقالة صحفية، وحتى حين يدخلني بعض الغرور وأسمّيها مقالة أدبية، فإنني وما أنْ أقرأها منشورةً، حتى يتبادر إلى ذهني خاطر يلكزه خاطر آخر وهذا الآخر مدفوع بقوة من خاطر ثالث وهكذا: كان من الأطيب لو أضفت هنا، لو حذفت هناك. هذه الكلمة كانت بحاجة إلى تقويس ضاغط لتبيانها. ليتني استبدلت هذه الكلمة المنشورة بالكلمة المقروءة على لساني الآن، فهي أدق، أو أحسن إيقاعًا، ...!.
ـ المشكلة أنني لا أشعر أن المقالة “مُلْكِي” بعد نشرها!. تصير ملْكًا للقارئ، وتصير ملْكِيَّتي لها، ملْكِيَّة قراءة فقط، مثلي مثل أي قارئ لها، بل وأكثر تشويشًا، فأنا أعلم حقيقة أنْ الكاتب كان يمكنه كتابة ما هو أفضل وأعمق، والأهم “الأغم!” أنني أعرف أنّ الكاتب يقرأ معي الآن وفيه حسرة وندم وتردد وارتباك!، ربما نجا القارئ الآخَر من مثل هذا الشعور شديد الأذى، وعلى مثل هذا الاحتمال أغبطه، إذ لا نجاة لي منه!.
ـ لكن ربما كان هذا هو الأمر الذي بسببه يمكن لكاتب مقالات أن يستمر في كتابتها!. نعم، أظن أنّ أحد أكبر وأوضح الفروقات بين الشعر وكتابة المقالة، أنّ الشعر عموديّ “ارتفاعي” في خيالاته ومجازاته وتدفقاته، بينما المقالة أُفقيّة “تمدّديّة”!.
ـ يحتاج الشاعر إلى تجاوز ما كتب، إنْ هو كتب وصفًا جميلًا، أو وَقَعَ على صورة بديعة، يحتاج في المرّة المقبلة إلى وصف أعلى وصورة أرفع، وحين لا يتمكن منها يمحو خربشاته في انتظار لحظة إلهام لا يدري متى تأتي!.
ـ بينما لا يحتاج كاتب المقالة، إلى تجاوز ذاته إلا في حالات قليلة وهي تأتي من تلقاء نفسها لحُسْن حظّه!. كل ما يحتاجه، في الغالب، أن يكشف عن الفكرة وأن يسحبها لتتمدد على أكبر مساحة ممكنة من الفهم والاستيعاب!.
ـ طاقة القصيدة يُمكن أنْ تبقى فيها، ولا معنى لكلمة “قصيدة خالدة” إلا في هذا البقاء!. بينما المقالة الصحفية لم تُصنع للخلود، بما في ذلك ما خَلُد منها!، وهي ما لم تَصُبّ جام “رُطَبها” ساعة نشرها، خَسِرَتْ رهانها!.
ـ القصيدة حالة. المقالة رسالة!.