2018-04-01 | 03:11 مقالات

قِلّة في المهارة ونقص في الأدوات!

مشاركة الخبر      

حدث ذلك في بهو فندق في بلد عربي، الصدفة جمعت بيننا وبين ضابط شرطة قديم، سألناه عن تعذيب المساجين فقال: تُضخِّمون الأمور مجرد ضرب، من الجُور اعتبار ذلك تعذيبًا!.



في مثل هذه الجلسات كنتُ وما زلت أُفضِّل لعب دور المستمع فقط، هذا ما لم أتمكّن من ترك الجلسة والمكان!. خفّف الوطأة أنه كان مُسِنًّا بما يؤكد مرور سنوات طويلة على تقاعده، ثم إنه كان متحدثًا جيدًا وخفيف الظل! بالتأكيد أنّ من سبق لهم الالتقاء به في غرفة التحقيق، لم يتبيّنوا مسألة خفة الظل هذه أبدًا!.



قال أحدنا: عمومًا أي استخدام للعنف دليل على نقص في أحد أمرين: المهارة أو الأدوات!. لم يتفق معنا، روح السيطرة فيه لم تتجعّد بعد! دافع عن موقفه بحجج كثيرة وكان ألمعيًّا!، الحجّة الأقل قدرة على الإقناع كانت تُدمج بقفشة طريفة للتسامح معها!.



رسختْ في ذهني مسألة أنّ العنف مرتبط بقلّة المهارة أو نقص في الأدوات، وأنّ الجمع بين القِلّة في هذه والنقص في تلك يؤدي إلى فورات غضب حادّة، وإمكانيّات عنف راعبة!.



الأمر لا يتعلّق بغرف التحقيق تلك التي حين حاولت بعض الأفلام العربية كشفها، لم تفعل للأسف أكثر من مؤازرتها! تلك الأفلام أنتجت بالفعل رُعبًا يفوق الحد، لدرجة أنّ المتفرّج العربي صار جاهزًا سلفًا للاعتراف بما ارتكب وبما لم يرتكب أمام باب أي قسم شرطة!.



الأمر يتعلّق بالعنف عمومًا، العنف الأُسري، العُنف المدرسي! العنف في مدرّجات الملاعب! وفي الحوارات التلفزيونية! وعلى شبكات التواصل!.



كلّما أرجعت البصر في سماء العنف رأيت فُطُورًا وإنْ لم تر تفاوتًا!.



ولم أجد أدق من وصف صاحبنا للعِلَّة: قلّة في المهارة أو نقص في الأدوات!. المهارة المتواضعة، تؤدي إلى تلف الأعصاب وانفلات المشاعر وفقدان المرء السيطرة على نفسه!.



ربما لزم وضع كلمة "فقدان" هذه بين قوسين والضغط عليها بقوّة، إنها تعني "فقدًا" حقيقيًّا! فقد بمعنى الكلمة أو بأكثر من معناها بمراحل، فالتكرار وتعليب الجملة أسهم في تغييب المعنى وتمرير الخسائر الفادحة دون تنبّه لمخاطرها!.



العنف، لفظيًّا كان أم جسديًّا مسألة خسران ونقص وهزيمة، كل غاضبٍ مهزوم وهزيمته من نفسه، الآخَر ليس سوى مرآة عكست الصورة الداخلية للغاضب!.



وسواء كان ذلك الغاضب زوجًا أو زوجة، مُعلّمًا أو مديرًا أو مسؤولًا أو محقّقًا، أو حتى قارئًا! فإنه في حقيقة الأمر لا يُعنِّف إلا نفسه، فإنْ هو شتم أو ضرب فإنما يشتم ويضرب ذاته، تلك التي يريد إنكارها ويظن أنه نجح في ذلك، إلى أن ينجح أحدهم في استفزازه أو إغضابه، يكتشف لحظتها أنه كان كمن يكنس الغرفة بدسّ الأوساخ تحت السجّادة لا أكثر!.



ـ انفض نفسك! نفض الآخر ليس حلًّا! ما في المرايا لا يزول بهز المرايا ولا حتى بكسرها!.