عملية خطف!
جميل أن تخطف المعنى خطفًا، ويدلّ على نباهة، لكنْ قبيح أنْ تخطف الكلام خطفًا!، ولا أظنه يدلّ على غير رغبة في كذب، أو نوايا تزييف، نوايا إن لم يعذِّب صاحبها ضميره فلأنّ المسألة تستلزم وجود هذا الضمير أصلًا ليُعذِّب أو يُنعِّم!.
ـ قدرة الجميع على نقل الأخبار اليوم، وعلى طرح الآراء اتفاقًا ومخالفةً، والتكالب على كسب تأييدات وتفاعلات، والهوَس بأرقام المتابَعَة، وسهولة البتر والتقطيع والدمج المتاحة تقنيًّا بسهولة، أوقعت كثيرين، كثيرين جدًّا، فيما هو قبيح ومذموم: لم يعد هناك شيء أسهل من الإيجاد ولا أصعب من البحث!.
ـ امتلأت دنيانا، بالبتر والاجتزاء والدمج والخَلْط، والإلحاق والتشتيت!. صار يمكن لأي عابث، أو إعلامي كسول، تبديد مجهودات مُضْنِيَة، وتشويش أفكار وتأمّلات مُعْتَبَرَة!، لا يحتاج الأمر لأكثر من دقائق، يخطف فيها مقطعًا صغيرًا من محاضرة طويلة، يبدو معه المقطع وكأنّه يقول عكس ما يقوله صاحبه، أو يتيح فرصًا وافرةً للتهريج الغبي، والتّندّر قليل الشِّيمَة، مع ملعقتين من استعراض عضلات مبادئ زائفة وقِيَم وهميّة، وهات.. يا ردح!.
ـ ينجح الأمر، فلا يعود للأديب أو الفنان أو الرياضي أو شيخ الدّين، الذي أوقعته تفاهة التافهين، في شَرَك الاجتزاء والقَصّ والإدغام، غير أن “يَتَحَسْبَن”!. فهو فيما لو شرح مهما شرّح، ووضّح، ووجّه الجميع إلى ضرورة العودة إلى النص الأصلي والمشهد كاملًا، فلن يحصل من هذا “الجميع” إلا على قطَرات لا تروي ظمأ الحقيقة الغائبة!.
ـ حجّة الناس، معظم الناس، أنه ليس لديهم الوقت الكافي لمتابعة أمر طويل عريض!، وأنّ صاحب القول قال ما قاله فعلًا، بدليل الفيديو أو السطر المنقول، فإن ذكّرتهم بخطأ الاجتزاء في الآية الكريمة: “لا تقربوا الصلاة”!، قالوا: معك حق، ثم وبعد دقيقتين أو أقل، عادوا لأخذ الحقّ الذي معك!.
ـ عَوْدٌ على بدء: خطف المعنى من الكلام أجمل من الجميل، وخطف الكلام من المعنى أقبح من القبيح!. وثلاثة أرباع الـ “مَذَمّة”: ذِمَّة!.