الملل: غياب التجدّد وقِلّة المُعطيات!
الانشغال بأمر مهم في حضور أمر أهم يطيل الوقت، ويثقله، جَرَّب ذلك كل من زارته خواطر حياتية وهو في الصلاة، جانَبَه الخشوع، وزيادةً على ذلك طال به الوقت، أو شعر بأنه طال، بينما يشعر كل من ركّز في الصلاة كم هو وقت أدائها قصير، خفيف وطيِّب، حتى إنه يتمنى لو كان أطول!.
ـ ما يحدث في الصلاة درس، والتعلّم عبادة أيضًا، ويقيني أنها من أحب العبادات،..
ـ ومن أسباب تفكير الإنسان فيما هو مهم وقت حضور الأهم، الطمع في مكاسب أكثر، رغم أن النتيجة غالبًا ما تكون خسارة في الأمرين، في المهم وفي الأهم!، خسارة، أو ربح أقل مما يظن ومما يمكن له الحصول عليه!.
ـ ومن أسباب تفكير الإنسان فيما هو مهم وقت حضور الأهم أيضًا: غياب التجدد، وقلّة المُعطيات!.
ـ ونرجع للصلاة دليلًا: يصعب على من يحفظ عددًا قليلًا من السور القصيرة، لا يقرأ غيرها في صلواته، أن يظل محافظًا على يقظته، وتركيزه، وهي رغم أنها تكفيه لأداء العبادة، لكنها لا تكفيه لإتقانها، فبتكراره لتلاوتها يتبرمج عقلًا ولسانًا على حروفها وكلماتها وإيقاعها ومعانيها، حتى إنه يصعب عليه حينها استخراج معنى جديد وإشارة جديدة منها، بينما من يحفظ أكثر ويداوم على الحفظ ويقرأ في كل صلاة جديدًا، وإن قَلّ، فإنه يحافظ على يقظةٍ تُكسبه خشوعًا يحبه الله.
ـ الأول مثْل من يقطع ذات الطريق بين بيته وعمله سنوات طويلة، يصعب عليه التنبّه لجماليات ما حوله، وقد حدث للجميع تقريبًا أن وصلوا بيوتهم ثم استغربوا كيف تم ذلك، فقد كان السهو وحده المتفطّن!.
ـ وعليه فإن تجديد المعلومات والمعارف والطرق والأماكن والأصدقاء، وأحيانًا حتى العمل، وحتى أثاث البيت، أمور يمكنها فعلًا تغييب الملل والنعاس، وأن تشعرك بامتلاء الوقت، تقيك من سلحفائيةٍ هي ليست في الوقت أصلًا، لكنك بعدم التجدد أوجدتها فيه، تظن أنك بذلك تحمي وقتك بدرقةٍ على ظهره، ثم تشتكي من ثقله!.
ـ كن وفيًّا للجميل الطّيّب، الذي سبق أن رُزِقْتَه، لكن حاذر من أنْ يجرّك مثل هذا الوفاء إلى خيانة المستقبل، إلى العمى عن جماليات الحاضر واحتمالات الحُسْن والبهاء في اللحظة المقبلة!.
ـ ثم إنّ التّجدّد جزء أصيل من الوفاء إلى كل جميلٍ سابق مررتَ به ومرَّ.. بك. تكريم اللحظة الراهنة، وتهيئة المكان لاحتمالات ما بعدها، ليس خيانة، فإنّ حسبناه كذلك فالخطأ في فهمنا، وإن شعرنا به كذلك فالخطأ في علاقتنا بما مضى!.