دلال الدوسري ـ إصلاح أم بناءٌ جديد؟
قبل انتخاب رئيسٍ جديد للاتحاد الدولي لكرة القدم، قدّمت اللجنة التنفيذية للجمعية العمومية غير العادية مجموعة من المقترحات الإصلاحية عبر لجنةٍ مختصة للتصويت عليها، بعد أن تفاقمت الخسائر بسبب قضايا الفساد التي عصفت بالمنظمة العام الماضي وأدّت لفقدان المصداقية وثقة أطراف العلاقة وتدهور السمعة المؤسسية على نحوٍ غير مسبوق وانتقل التأثير السلبي إلى شعبية اللعبة نفسها، كل هذا خلال عام واحد فقط!
لم يعتقد حينها مسؤولو (فيفا) أن سوء سلوكهم الإداري قد يصل لأبعد من الملاحقات القانونية وأنّه سيكلّف الاتحاد فاتورةً باهظة لعدة سنواتٍ قادمة، فمن الناحية المالية، رفضت الشركات الراعية (سوني، الإمارات للطيران، جونسون آند جونسون، كونتيننتال وكاسترول) تجديد عقود قيمتها بليون ونصف دولار سنوياً، وطالبت ماكدونالدز وكوكاكولا بتنحي بلاتر عن الرئاسة لرفضهم ربط سمعتهم بمنظمة تُلوّث مسؤوليها التنفيذيين شبهات فساد من العيار الثقيل، وهو ما قاد إلى خسارة مالية عصفت بميزانية عام 2015 مسببةً عجزاً مقداره 108 ملايين دولار أمريكي. كذلك، أظهرت نتائج استفتاء لمنظمة الشفافية الدولية شمل 25 ألف مشجع لكرة القدم ضمن 28 دولة، أنّ 69% من المشجعين في العالم فقدوا ثقتهم في (فيفا)، في حين أثّرت الفضائح على 43% من استمتاعهم باللعبة. من جانبٍ آخر، وباستخدام تحليل محتوى الأخبار باللغة الإنجليزية ارتبط نمط الصورة الإعلامية لـ(فيفا) في الأشهر الستة الأخيرة ارتباطاً وثيقاً بكلمتي "فضيحة" وبدرجة أقل بكلمة "مأساة"، مما يرسخ الصورة السلبية عن (فيفا) بشكل أكثر تعقيداً من مجرد خطأ أو ضرر قد يتم تجاوزه بعد بعض الوقت. وعلى الرغم من أنني لم أجد إحصائية عن معدل استقالات موظفي الاتحاد الدولي الفترة الماضية أو عن نسبة عزوف الكفاءات والمواهب من الالتحاق بأعلى مؤسسة لكرة القدم بسبب الخجل الاجتماعي من الانتساب لها، إلا أنني أثق أن هذا النوع من الأزمات لابد أن يلقي بظلاله داخل المنظمة أولاً قبل تفاقم المشكلات الخارجية. هذه الصورة يجب أن تصل لكل مسؤول رياضي ليدرك أن كل هذه التداعيات قد نجمت عن أزمة "فساد" ظهرت للعلن! فهل تقبل بالمجازفة؟
يقول الخبراء إن ما حلّ بالاتحاد الدولي لكرة القدم يعدّ أحد أفضل نماذج دراسة الحالات في فشل تطبيق الحوكمة وممارسات المسؤولية الاجتماعية وتأثيرها المباشر على السمعة، وربما بموافقة 179 من الاتحادات الأعضاء على حزمة الإصلاحات وبانتخاب رئيسٍ جديد (قد) تعود ثقة الشركات الراعية تدريجياً، ولكن استعادة ثقة باقي أطراف العلاقة هي بلاشك ستتطلب جهداً ومالاً ووقتاً أكثر. ومن جانبي، أراها درساً حيّاً لمسؤولي المؤسسات الرياضية في منطقتنا للبدء في اعتماد إصلاحات عاجلة ومعلنة تلبّي الاحتياجات والطموح، وأن نبدأ الآن أفضل مما تؤول الأمور إلى مالا تحمد عقباه ونصبح نموذجاً آخر تطبّق عليه دراسة أسوأ الممارسات، عندها سيكون الإصلاح أصعب بكثير من بناء جديد.