أبطال الـ (يوتيوب)
لا أحتاج إلى ذكر أسمائهم، لأنهم، بكل صراحة أعلام (شهيرة) في الإعلام الرياضي بكل وسائله. ومع أنني أقر لهم بهذا التميز العجيب وبتلك المتابعة الكبيرة من الجماهير لكل ما يكتبونه ويقولونه.. إلا أنني لا أشعر بـ (الغبطة) بهذا الإنفراد الذي يحققونه.. أما (الحسد) فهو منهم (بعيد).. فمن يا ترى (يحسد الأعمى على كبر عينيه)! ها قد أضحوا اليوم أبطالاً لمقاطع الـ (يوتيوب).. يحققون أرقاماً خيالية للمشاهدة بملاسنات وتهديدات يضيع معها موضوع الخلاف.. لتبلغ الإثارة ذروتها حين يسعى كل واحد إلى إسكات الآخر.. فيما الجماهير الغفيرة تنتظر – بشغف – نتيجة تلك المعارك الكلامية التي قد تنتهي على طريقة (نتقابل في الصرفة). يبدو لي أن معظم هؤلاء المتصارعين (على الهواء) لم يلعبوا الكرة، ولم يتذوقوا طعم الأداء الجميل.. ولو أنهم فعلوا لما وصل بهم (التعصب) إلى هذا الحد من (الانفلات) في استخدام ألفاظ لا تليق بالرياضة التي تهذب السلوك وتبني العقول والأبدان.. إنها علاقة طردية تثبتها تلك المقولة الشهيرة (العقل السليم في الجسم السليم). حينما كنت صغيراً كنت أشاهد (المصارعة الحرة) على شاشة التلفاز.. وبعد أن قالوا لي بأنها (تمثيل في تمثيل) تركتها إلى غير رجعة، وربما فعل ذلك غيري، ولا أدري إن كان ما يحدث من معارك بين الإعلاميين على الهواء في البرامج الرياضية هو من قبيل التمثيل؟.. إن كان ذلك صحيحاً فتلك (مصيبة).. لأنها تشير إلى رغبة المسؤولين عن تلك البرامج إلى خلق إثارة (مفتعلة) تساعد على جذب أكبر قدر من المشاهدين المغرمين بكرة القدم والرياضة عموماً.. أما إن كان الأمر طبيعياً و(كل إناء بما فيه ينضح).. فلا شك بأن هذه الآنية التي تحمل قصوراً فكرياً وأخلاقياً ستساهم في إفساد ذائقة المتلقي والتعدي على القيم الجميلة في (أدب الحوار)، وتشكيل جيل متسرع في أحكامه.. متهور في استخدام ألفاظه.. وتلك - يا قوم - (مصيبة أعظم).. لأن البطل (المتوج) في ذلك الصراع سيصبح مثالاً للصغار المغرمين بـ (السوبرمان). نحتل ترتيباً متأخراً في مجال التعليم الأساسي وفقاً لـ (تقرير التنافسية العالمية) الأخير وأؤكد لكم بأننا سنواصل التراجع.. والبركة في هذه النماذج الرديئة من الإعلاميين التي تطل على الشاشة وتسهم في تغييب وعي أبنائنا المغرمين بمتابعة المباريات والبرامج المصاحبة لها، واللوم لا يقع عليهم وإنما على من فتحوا لهم الأبواب وسمحوا لهم بأن يعرضوا آراءهم البالية التي تكشف عن مخزون ثقافي متدن.. نعم (الكرة ليست للرعاع) يا علي الشريف.. قلت ذلك يوماً.. وشاطرتك الرأي.. وها أنا هنا (أعيد وأزيد): الكرة ليست للرعاع يا أستاذ.. أنت - وأمثالك من المثقفين - من يستطيع أن يقنع الكارهين لهذه المستديرة بهذه الحقيقة وبأنها قصيدة أو حكاية أو رواية تمتلئ بالبديع.. طباقاً وجناساً وتشبيهاً وتورية.. تلف وتدور - هكذا حالها - تملأ الطريق من الفرح إلى الحزن بالمتعة والإثارة!.. أنت من يستطيع أن يهذب عاشقيها ليرتقوا في هواها، ولا يخرجوا على لاعبيها وداعميها.. يرمونهم بأيديهم وألسنتهم بما لا يليق بمحضر ثقافي اسمه (كرة القدم)! فهم الكرة على أنها ثقافة - يا صديقي - يحتاج إلى أن تكون لاعباً.. وكلما كنت موهوباً كنت أكثر قدرة على كشف أسرارها. تحتاج أيضاً أن تكون مثقفاً واعياً لأنها تأخذك إلى مسارات لا تنتهي.. علاقتها بالأدب تأتي من تمردها وإيقاعاتها الساحرة وقدرتها على الإمتاع. إشكالية الكرة أنها تحتاج إلى طرفين متنافسين.. وليست عملاً استعراضياً من طرف واحد.. لذا يفرز التنافس الكبير رغبة عارمة للتفوق والاستئثار بالكرة وترويضها.. وفي المدرجات وأمام الشاشات تلتهب المشاعر مع كل تمريرة واستخلاص ومراوغة وتسديدة على المرمى.. وحينما تدخل الكرة في المرمى؛ يأتي الفرح جنوناً.. ويخيم الحزن سكوناً.. وفي الفريقين صرعى هم ضحايا هذا (الهوس) بالفانيلة والشعار.. خروج عن المعقول والمقبول.. أغضب المثقفين فهجر كثير منهم الكرة. نعم يا صديقي، الكرة ليست للرعاع.. لكنهم هناك، وهناك من يحرضهم إعلاميا، ويدعوهم لملء ميادينها بالصراخ والشتم والبصق والضرب.