2012-10-19 | 06:51 مقالات

فينيسيا.. لوحة الفن والحب

مشاركة الخبر      

انتهت أيام المؤتمر الذي حضرته (المدام) لمدة أربعة أيام في (بيزا).. كان خلالها صاحبكم (العربي) يقوم بدور الحضانة لابنه الصغير (إسماعيل) صاحب الثلاث سنوات.. أفعل ذلك لأول مرة في حياتي.. وتفرغنا للسياحة.. كانت محطتنا الثانية هي مدينة (البندقية) أو فينيسيا التي لم نستطع أن نستقل القطار إليها من (بيزا).. والسبب أن عمال المحطة في بيزا كانوا قد (مالوا) مثل برجهم وأعلنوا إضراباً عن العمل ليوم الأحد الماضي. وفي بلد سياحي كبير كإيطاليا لن تجد صعوبة في توفير وسيلة مواصلات أخرى. اتجهنا إلى المطار بـ (التاكسي) لنستقل الحافلة إلى محطة (فلورنسا) التي كانت تعمل ولم يتضامن العاملون فيها مع إخوانهم في محطة بيزا. خلال ساعتين من الزمن وصل القطار السريع لشركة (ترين إيطاليا) إلى (فينسيا) وهي المحطة الأخيرة لتلك الرحلة ولا بد لها أن تكون لأن البحر سيعترضك ولن يستطيع القطار أن يعوم في تلك المدينة الساحرة التي يعوم فيها كل شيء.. ولا يوجد بها سيارات، ويتنقل الناس فيها بالقوارب ويتجولون داخل أزقتها مشياً على الأقدام. خرجت من المحطة مع المدام وإسماعيل.. كنت أسحب حقيبتي سفر من المقاس الكبير والوزن الثقيل، وتدفع المدام بـ (عربة) إسماعيل.. واجهت مشقة في إنزال الحقيبتين إلى أسفل السلم حيث المكان الذي سنستقل منه العبارة الصغيرة... استقلينا العبارة وكان علينا أن نقف عند محطة (ريالتو).. ثم نسير مشياً على الأقدام إلى ميدان (سان ماركو) الشهير حيث الفندق الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن الميدان. في الطريق إلى الفندق كان الكل يبادر بمد يد العون عندما يعترض طريقنا أحد الجسور الصغيرة المنتشرة في فينيسيا، والتي لم تجهز بمزالق للعربات ولا حتى لمرور الكراسي المتحركة الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة... شيء عجيب ومع ذلك سرعان ما أخرجتني من عجبي (نخوة) الناس في فينسيا وحبهم للمساعدة.. ترى هل كان تجاهل مثل تلك التسهيلات مقصوداً ليقدم لنا أهل فينسيا مثل هذه المظاهر المدهشة للتعاون بين الناس.. ذلك الذي تتجلى فيه الرحمة والمحبة؟.. ها هم مجموعة من السياح (الكنديين) يقدمون فصلاً مدهشاً على مسرح (المدينة العائمة).. بأجهزة حاسب آلي مزودة بجهاز ملاحة حددوا مكان الفندق ثم تناول أحدهم واحدة من تلكما الحقيبتين اللتين (هدتا) ظهر صاحبكم وهو يجرهما طوال الرحلة. أكثر ما شدني في تلك البادرة الإنسانية أن أصحابها كانوا يقومون بها والابتسامة تعلو الوجوه.. يقدمونها دونما (منة).. وكأنهم هم من تقدم لهم الخدمة. وصلنا إلى الفندق.. ولم يكن لدي سوى أن أكثر من الشكر.. ابتسموا ببساطة وتمنوا لنا إقامة سعيدة ثم تركونا ومضوا.. ربما ذهبوا ليبحثوا عن جرعة أخرى من السعادة.. سعادة العطاء التي لا يعرفها سوى الأسوياء... أشياء كثيرة أعجبتني في فينيسيا.. البيوت بألوانها الزاهية.. تشتهيها العين مثل تلك الكتل المرتصة من (الآيس كريم) في ثلاجات العرض الكبيرة التي تنتشر في إيطاليا... وحين تسقط الشمس على الماء تكتمل لوحة الجمال في (المدينة العائمة) ويتحول (الجندول الأسود) والمجداف إلى (باليتة) وفرشاة في يد فنان.. نعم.. إن كل هؤلاء البسطاء الذين يحملونك فوق الجندول ويجدفون في الماء هم فنانون.. يسيرون بك في جولة في تلك الممرات المائية.. يرسمون المتعة التي لا بد لكل من يزور (البندقية) أن (يذوقها) وإلا سيقال له (فاتك نص عمرك). أكثر من مئة جزيرة ملتصقة متصلة ببعضها عن طريق جسور تجعل من هذه المدينة ـ التي تطل على البحر الأدرياتيكي ـ حالة فريدة لا يمكن أن تراها في غيرها من المدن السياحية في العالم.. إنها (البندقية).. مدينة الـ (جندول) Gondola.. مدينة المباني التاريخية.. مدينة الفنون والذوق الرفيع.. نعم في فينسيا كما في كل مكان في إيطاليا تأسرك طيبة (الطليان).. يستقبلونك بـ (تشاو) ويودعونك بها.. ويصبحون عليك بـ (بونجورنو) ويمسون عليك بـ (بوناسيرا).. ويظلون يكثرون من (قراتسي).. يشكرونك حتى على أبسط الأشياء... إلى اللقاء.