لا تستمعوا لـ (بودش).. احتفظوا بـ (المسودة)
تطل عليك من وسط الملفات لتثبت واقع المحفوظات في الأجهزة الحكومية.. إنها (المسودة).. تلك التي يتشبث بها الموظفون.. لأنها ـ كما يزعمون ـ ضمان تحديد المسؤولية عند المساءلة عن أية معلومات وردت في الخطاب الصادر.. يحتفظون بهذه المسودة مع أن المحرر يؤشر على صور الخطاب بعد نسخه مؤكداً مطابقته لها.. مخلياً بذلك مسؤولية الناسخ.. كما أن المدير سيوقع على الخطاب بعد ذلك مؤكداً هو الآخر على موافقته على ما ورد فيه؛ فلماذا يحتفظ بها إذاً؟.. أتساءل بعد أن تضخمت المحفوظات، وتكدست الملفات فوق بعضها البعض، وضاعت الوثائق.. فتأخرت الأعمال، وتعطلت المصالح.. أتساءل و(ترن) في رأسي مقولة (روبرت بودش) صاحب كتاب (كيف تنجز أكثر في وقت أقل): “قم وببساطة بحذف أي خطوة غير هامة مدرجة بالقائمة. اسأل نفسك: (ما هو أسوأ ما يمكن حدوثه إن أسقطت هذه كليًا من القائمة؟) وإن رأيت أنك تستطيع تحمل النتائج دون خسارة، احذفها فورًا”. وأعود إلى هذه (المسودة) فأراها على رأس تلك الأعباء التي تحتاج إلى قرار (حاسم) للتخلص منها، قبل أن أستمع إلى آراء كثيرة تجمع على أهمية الاحتفاظ بها وعدم إتلافها.. إنهم مجموعة عريضة من الموظفين الذين يشاركون في البرامج التدريبية التي أنفذها في معهد الادارة العامة.. يقولون أنهم يخشون المديرين.. الذين ما عادوا يؤشرون على الخطابات.. ويكتفون بتأشيرتهم عليها.. ولو حصل ما يثير النظر وما لا يحمد عقباه؛ أشاروا بأصابع الاتهام إليهم، وخرجوا من المشكلة (خروج الشعرة من العجينة). قلت مكرراً وكنت أعتقد بأنني محق: ولكن المدير قد وقع على الخطاب وهو يتحمل ما ورد فيه.. قالوا: منطقياً.. نعم.. ومن خبرتنا العملية.. لا، فما أن يقع الفأس في الرأس ويظهر الخطأ حتى يأتوا بنا، ويحملونا مسؤولية كل ما ورد في الخطاب، بما في ذلك التعديلات التي أجراها المدير.. وتبريرهم أن المدير لا يمكن له أن يقرأ كل شيء، مع (زحمة) العمل وكثرة المعاملات. قلت: هذا ـ إذاً ـ ما يدعوكم للإحتفاظ بالمسودة.. فهي التي تنقذكم؟ قالوا: نعم.. وهل لديك حل آخر؟ قلت: لا.. من حقكم أن تحفظوها بل وتضعوها في خزائن المال المقاومة للسرقة والحريق، فهي جديرة بالبقاء مدى الحياة.