2014-07-20 | 09:08 مقالات

يارب يحميك ياسعودية

مشاركة الخبر      

وضع حقيبته بهدوء، وجلس في المقعد المخصص له بجانبي على إحدى رحلات الخطوط السعودية من جدة إلى الدمام. بدأتُ بالسلام عليه، وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث لتمضية وقت الرحلة، استجابة لأمر الله عز وجل {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا...} الآية 13 سورة الحجرات.

وبدأ الحديث عن نفسه وتجربته في السعودية بأريحية وصدق وبساطة وعاطفة جياشة مليئة بالإحساس والحب الكبير لهذه البلاد الطاهرة المباركة، إذ يقول: "تخرجت في الجامعة في بلدي، وجئت قبل أربعة عشر عاماً، وبدأت بالعمل في هذه الشركة التي أعمل بها، والتي أسسها أحد رجال الأعمال المعروفين الذي انتقل مؤخراً إلى رحمة الله، وعملت موظفاً إدارياً صغيراً في مجال الإدارة والمحاسبة والتسويق. عوملت كأنني مواطن، ولم أشعر أبداً بالاغتراب أو المضايقة داخل الشركة.

وجدتُ كل أنواع التشجيع والدعم والمساندة، وفوق ذلك إتاحة الفرصة لي للتدريب والتعلم وأخذ دورات في محيط عملي لزيادة تحصيلي العلمي والمعرفي. اندمجت في العمل في ظل هذه الظروف المريحة، وكونت علاقة جيدة ــ ولله الحمد ـ مع جميع العاملين في الشركة ومع مديريها وملاكها. وجدت نفسي أصعد درجات السلم الوظيفي بخطى ثابتة وعادلة حتى أصبحت خلال هذه السنين مديراً عاماً لفرع الشركة، الذي يعتبر من أهم الفروع، والشركة لها أصولها واستثماراتها. واصلت إخلاصي وحرصي، وواصلت الشركة دعمها وتشجيعها لي، ولم أشعر بأنني غير سعودي، بل إن السعوديين من الموظفين هم أكثر ما تربطني بهم علاقة من بقية الجنسيات. تزوجت وأحضرت زوجتي التي هي الأخرى شعرت بنفس الأجواء من الراحة والطمأنينة. أؤدي صلواتي بخشوع في المسجد المجاور لسكني وداخل الشركة عندما أكون في العمل، في أجواء تسودها حلل الإيمان والطمأنينة والراحة النفسية.. رُزقت بطفلين جميلين، أسعد عندما أعود لمنزلي وأراهما وزوجتي ينتظرونني وكلنا سعادة ومحبة وراحة. وفي إجازة نهاية الأسبوع نتزاور مع أصدقائنا، أو نذهب لنزهة بحرية في أجواء شاطئ نصف القمر أو العزيزية أو أي مكان جميل كما هي أماكن هذا البلد الأمين، أو أجدها فرصة لزيارة بيت الله الحرام وأخذ عمرة تقرباً إلى الله وشكراً لنعمائه وطلباً لمرضاته.

وفجأة، قبل سنوات عدة، وعندما كنت أقوم بتوصيل طفلي إلى المدرسة، شاهدت بنفسي العمل الإرهابي الجبان في المجمع السكني في الواحة في مدينة الخبر، إذ رأيت إطلاق الرصاص والهيجان وقتل المدنيين والأطفال وتخويف النساء والشيوخ وإدخال المدينة في رعب وخوف وهلع. تراجعت عن الحدث وأنا غير مصدق، وكنت قبلها قد تابعت بعض الأحداث التي وقعت في بعض مدن السعودية، ولم أكن أتوقع أن أشاهد هذه الأشياء أمامي. حزنت.. تأثرت.. بكيت.. رجعت لبيتي وأسرتي الصغيرة أدعو الله عز وجل أن يحفظ هذه البلاد وأقول (حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم أشغلهم في أنفسهم ورد كيدهم في نحورهم).

وبحمد الله تمكن رجال الأمن الأبطال من القضاء على هذه الزمرة في تلك الحادثة والقبض عليهم وفي حوادث أخرى، حتى تقلصت شوكتهم، وتفكك جمعهم.. وكنت حينها أمضي معظم وقتي في السعودية، حتى إجازاتي أختصرها وأبقى في هذه البلاد الطاهرة، إذ إن بلدي ومعظم البلدان العربية في فتن وحروب واضطراب وخوف ومشاكل وقلق وجوع.. وفي آخر إجازة لي قبل شهرين تقريباً عدت إلى مطار الدمام ومعي أسرتي الصغيرة، وكنت حينها في أشد الحاجة للعودة لهذه البلاد، مشتاقاً للطمأنينة والأمن والأمان والعمل في الشركة، ولصلواتي في المسجد ولجماعة المسجد وللجيران ولمدينتي الحبيبة وأهلها الطيبين، وعندما دخلت مطار الملك فهد الدولي في الدمام وخرجت من ممر الطائرة وتأكدت أنني على أرض المطار وعلى أرض البلد الأمين السعودية انتابتني حالة من العاطفة الجياشة، وبدأت أبكي والدموع تنهمر مني فرحاً وسعادة مبتهجاً بعودتي للمملكة.

شاهدني البعض من الركاب ولم يكن لهذا أي تأثير في مشاعري.. استقبلت القِبلة وسجدت لله سبحانه وتعالى شكراً أن يسر لي العيش في هذه البلاد، ورفعت يدي بعد أن انتهيت من سجودي رافعاً صوتي بشكل عاطفي مؤثر قائلاً (يارب يحميك يا سعودية.. يارب يحميك يا سعودية.. يارب يحميك يا سعودية).

بكت زوجتي، والتم علي أطفالي، وبعض الركاب وقف يسأل ويتعاطف معي حول ذلك، وموظفو الخطوط السعودية والجمارك والجوازات ينظرون إلى ويطمئنونني، ويحمدون الله على سلامتي.

وأنا أسوق هذه القصة لك أخي الحبيب حتى تتضح لك ولأبناء السعودية ما أنتم فيه من خير وأمن وأمان؛ ينبغي أن تحافظوا عليها".

ثم يضيف قائلاً: "إن بلدكم يحتضن أكثر من عشرة ملايين إنسان من مختلف أصقاع المعمورة، وجدوا في بلادكم الحب والأمن والأمان، ومثلهم من يحاول التسلل، ويحاول الظفر بفيزا عمل نظراً لما يجدونه من توافر وسائل العيش الرغيد ووجود الحرمين الشريفين وتطبيق الشريعة الإسلامية، فحافظوا على هذا البلد، وأنا على استعداد للاشتراك في أي عمل ضد من يحاول المساس بأرض البلد الأمين. وحالياً تجتمع القوى العدوانية للمساس بأمن هذا الوطن المبارك، وقرأت عن اجتماع مجلس الأمن الوطني وتوجيه خادم الحرمين الشريفين - حفظ الله - لأخذ الاحتياطات اللازمة لحماية الوطن ومقدراته. وبحمد الله أعيش أجواء هذا الشهر المبارك بأمن وسكينة، وترى المصلين يعمرون المساجد والجوامع لأداء صلوات التراويح والقيام في هذا الشهر الفضيل، وموائد الإفطار تسهم في توفير الإفطار للجميع، ويقوم على خدمتهم شباب هذا الوطن. وأستعد الآن كعادتي وأسرتي لزيارة الحرم المكي الشريف وأداء العمرة، وخصوصاً مع ما ينقله التلفاز من روحانية الصائمين والمصلين والمعتمرين ليس لسكان السعودية فقط بل لجميع أنحاء العالم، فيشاهدوا الأمن والأمان والروحانية وهي أعظم رسالة للدعوة لدين الله؛ وهو ما أدى إلى زيادة أعداد الداخلين لدين الله أفواجاً في جميع أنحاء العالم؛ إذ تكثر الرغبة في التعرف على هذا الدين العظيم بهذه الروحانية والخشوع والإيمان".

قلت له: "آمين يا رب العالمين. يارب يحميك يا سعودية".

ومثلي - بإذن الله - قراء هذا المقال يقولون "يارب يحميك يا سعودية".

وهذه يقولها ابن هذا الوطن، ويقولها المقيم على أرضها، ويقولها كل مسلم زارها ولمس الطمأنينة والأمن والأمان وهو يؤدي مناسك الحج والعمرة.. وستبقى دائماً بلاداً شامخة عظيمة موحدة آمنة مطمئنة رغم أنف الحاقدين وكيد الكائدين. آمين يا رب العالمين.