(الدين المعاملة)
من أجمل الكتب التي قرأتها مؤخرا كتاب لوحات نبوية. زوايا جديدة لقصص السيرة النبوية للأستاذ الدكتور عبدالوهاب بن ناصر الطريري. حيث عرض دكتورالطريري لـ 36 قصة من القصص الإنسانية لرسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه، تلقي الضوء بأسلوب جميل أخاذ محبب للنفس عن شمائله وأخلاقه الكريمة والنبيلة، ضمن فقه الدين المعاملة التي نفتقد إليها، وهو سبب لحالة الجفاف والعنف والغلو الذي يسود المعاملات الإنسانية في العالم الإسلامي. ووفق د.عبدالوهاب في استعراض هذه المواقف وصياغتها بأسلوب مقنع ومؤثر، منها قصة الذي يحب الله ورسوله ولكنه مخطىء في سلوك مخالف للدين، وكيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع حالته، ثم موقف خديجة عندما جاءها الرسول عليه الصلاة والسلام وجلاً من روح القدس حينما وصفته بأوصاف وشمائل نبيلة حين قالت (كلا والله لايخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)، ثم قصة زيارته للفتى اليهودي الذي يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم وأثر تلك الزيارة، وقصة عدم غضبه وحلمه على الإعرابي الذي شد رداءه حتى اختل توازنه صلى الله عليه وسلم، وحتى غاصت حاشية الرداء في عنقه الكريمة من شدة الجذبة. كذلك طريقة حياته وتعامله مع أهل بيته زوجته عائشة وابنته فاطمة وبحثه ووفائه للمشرك النبيل بعد معركة بدر طالبا عدم الأذى له قائلا:(من لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله)، وقوله في الأسرى (لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء لتركتهم له) وهما رجلان كان لهما مواقف إيجابية مع الرسول صلى الله عليه وسلم رغم المعركة والقتال وما يعتريهم من شدة وحماس. وتعامله صلى الله عليه وسلم في مختلف المواقف الإنسانية التي تدل على مكارم الأخلاق مع الصغير والكبير والمسلم وغير المسلم، ومن ذلك حرصه على بهجة العيد والسرور، حيث ترك الأحباش يرقصون في المسجد على طريقتهم ويهزجون بلغتهم وكان مشهدهم طريفا ومبهجا، فأقبل صلى الله عليه وسلم على عائشة وناداها ووقف لها فوضعت ذقنها على كتفه وألصقت خدها بخده وهي تنظر وهو يغريهم في الحماس في استعراضهم. والقصص كثيرة وجميلة لايوجد مثلها بالصياغة والشرح والأسلوب في ماهو موجود بين طلبتنا في المدارس من أسلوب متكلف وقصص يغلب عليها المباشرة، وتبتعد عن أسلوب المعاملات التي يحتاج إليها الإنسان في حياته. واستعرضت كتب كثيرة بين الطلبة والطالبات، فلم أجد مثل هذا الشرح وهذا الأسلوب الجميل، ولعل د.عبدالله العبيد يقرأ الكتاب ويوجه أن يكون مقررا على طلاب وطالبات المرحلة الثانوية، بدلا من الكتب التي بينهم والتي يغلب على بعضها صعوبة الشرح وجفاف العرض وتقعر المعنى.