الحج والاستطاعة
وردتني رسالة نصية على جوالي من إحدى المواطنات، تذكر أنها فقيرة الحال وترغب في الحج، كما وصلتني أحيانا رسائل بالتبرع لحملات لمساعدة الناس لأداء الحج، ويتم وضع أرقام حسابات لبنوك أو أرقام هواتف لجمعيات خيرية.. ومثل هذه الأعمال تخالف مفهومي لما درسته وتعلمته وفهمته عن فريضة الحج، إذ عندما نذكر أركان الإسلام التي نتعلمها ونحن على أبواب المدرسة نذكر أن الركن مربوط بالاستطاعة المادية والبدنية والقدرة على القيام بذلك، وهذا من رحمة رب العالمين بعباده والتيسير عليهم، فمن لا يستطيع يسقط عنه الفرض ويمكن له التقرب والتعبد إلى الله عز وجل بكل الطرق والأركان الممكنة التي يستطيعها، ومن ذلك العبادات والمعاملات والقيام بما حث عليه الله عز وجل من مكارم الأخلاق وتجنب ما حرم الله، أما هذا الركن الخامس فهو لمن استطاع إليه سبيلا.
ومن يشاهد التزايد الهائل للمسلمين ولله الحمد والرقعة الجغرافية المحدودة التي تؤدى فيها مناسك الحج يدرك رحمة الله عز وجل الذي لا تخفى عليه خافية من أن هذا التزايد سيجعل الحج مستحيلا لجميع المسلمين وبالذات مع حالات الزحام الهائلة وما نتج عنه من وفيات إضافة إلى أنه رغم ما تقدمه حكومة بلادي العظيمة من دعم وجهد وعناية ورعاية وخدمات هائلة في المشاريع والتقنيات والاستعدادات على كافة الأصعدة إلا أن الخلفية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي يأتي منها بعض الحجاج وقصور التوعية قد تكون سببا في بعض المشكلات التي تحدث في الحج، ولهذا أستغرب من هذا الحماس من البعض لجمع تبرعات للحج وهم يرون أن الدول الإسلامية مجتمعة أقرت نسبة محدودة لكل دولة حسب عدد السكان، ويتم الاختيار من الدولة حسب تنظيم معين للعمر والأسبقية والقرعة.
ولهذا حسب فهمي الشرعي للتوجيه الرباني بأن الحج لمن استطاع إليه سبيلا بالالتزام بالضوابط والقواعد التي وضعتها الدول الإسلامية، والتشدد فيما يخص حجاج الداخل ومنع المتسللين المفترشين أو سكان مكة ومن يأتي لغرض البقاء بها ثم الحج في يوم عرفة مسهما في الزحام وإيذاء المسلمين، بحيث يبقى الحج مرة واحدة في العمر كما فرضه الله عز وجل، ومنع أشكال المجاملات والتجاوزات وتحجيج غير القادرين الذين أسقط الله عز وجل الفريضة عنهم وربطها بالاستطاعة وتبيان ذلك للمسلمين، لأن المستقبل ومع كل المشاريع الضخمة التي تقوم بها السعودية فإننا سنجد أنفسنا في مشكلة كبيرة لن يحلها إلا تطبيق توجيه الله، الأعرف بعباده والأرحم بهم والذي ربط الفريضة بالاستطاعة، وشرح كل ما يقرب العبد في فقه العبادات والمعاملات وليس في إحضار أو تحجيج من أسقط الله عنه الفرض لأنه لا يستطيع.. فهل نتوقف عن مثل هذا الإلحاح وهذه المجاملات.. ومن لديه وجهة نظر أخرى يوضح فأهلا بها.