انحراف في زمن الاحتراف
هذا الموسم لم يكن إستثنائياً في السوء مثل من سبقه بل زادت جرعته، الأمر ليس فنياً لوحده بل حتى بالأسباب الكبرى التي تسهم في ذلك، وأهمها مشكلة تأخر المرتبات الشهرية للاعبين، والتي انتقلت من الأندية الصغيرة إلى الكبيرة، وأصبحنا نسمع متأخرات تصل إلى 4 أشهر تزيد أو تنقص من ناد إلى آخر. قبل 3 أعوام لم يجد الرئيس التنفيذي لاتحاد اللاعبين المحترفين في انجلترا نيك كوزاك إلا توجيه انتقاد شديد اللهجة إلى إدارة نادي بورتسموث الإنجليزي على خلفية تأخر استلام اللاعبين لمرتباتهم لثلاثة أشهر فقط، متهماً إياهم بتهديد استقامة اللعبة، وأتوقف شخصياً أمام العبارة الأخيرة "تهديد استقامة اللعبة". ويقول كوزاك: "عندما ينزل فريقان أرض الملعب تجد 11 لاعباً من جهة يواجهون 11 لاعباً من جهة أخرى، وتتوقع أن يكون جميع اللاعبين الـ22 قد حصلوا بالفعل على رواتبهم". وأضاف: "إذا لم يحصل 11 لاعباً من هؤلاء اللاعبين على رواتبهم فستبدأ في التشكيك في التزامهم مع ناديهم، وبالتالي في استقامة اللعبة.. وهذا الأمر بدوره يثير الشكوك حول استقامة مسابقة الدوري الإنجليزي". أتساءل بحرقة: كم هي الأندية السعودية الملتزمة في الواقع بتسليم لاعبيها مرتباتهم الشهرية بانتظام؟ الإجابة لا يوجد مهما زعمت إدارة أي ناد بلا استثناء أنها تقوم بذلك، بعيداً عن مسيرات المرتبات التي يتم التوقيع عليها بتواريخ مختلفة لأجل إيهام رابطة دوري المحترفين أو لجنة الاحتراف أن المرتبات يتم تسليمها في وقتها. في الفرق الكبرى الاتحاد والنصر والهلال والأهلي والشباب والاتفاق بات طبيعيا جداً أن تتأخر المرتبات لشهرين أحياناً أو أكثر، وفي بقية الأندية التأخر يمتد إلى 6 أو7 أشهر، لكن هناك سعي حقيقي لتغييب هذه المعلومات وعدم الحرص على ظهورها على السطح. فتشوا في قوائم إدارات الأندية لدينا محلياً، وكم منها تهدد استقامة اللعبة بالمفهوم المهني أعلاه. في فترات سابقة تم الإعلان عن عدم السماح بتسجيل اللاعبين المحليين والأجانب لأي فريق في حال تأخر مرتبات لاعبيه لأكثر من 3 أشهر، ورغم ذلك القرار تأخرت مرتبات، وتم تسجيل لاعبين، وتم تجاهل القرار ممن أصدره، ولم تلتزم به إدارات الأندية، والضحية في كل الأحوال لاعب مسكين قدره أنه أصبح لاعب كرة قدم محترف، واختار وظيفة غير مسجلة في التأمينات الاجتماعية، وغير مدرجة في مصلحة التقاعد، ولا تمكن من اختارها من الحصول على قرض بنكي أسوة ببقية الوظائف الأخرى، إضافة إلى قائمة طويلة من المعوقات في السكن والتملك والإيجار وغيرها كثير. أعتقد أن من حق أي لاعب كرة قدم محترف أن يشعر بقيمة الوظيفة التي اختارها دون سواها، وأن يلحظ وجود تقدير حقيقي له ولوظيفته التي لا تزال تعاني تهميشاً رسمياً واجتماعياً يقف خلفه غياب الدعم من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وجهات أخرى لا تستوعب طبيعة الواقع، ويجب تصحيحها من الآن، والتعامل بحزم في هذا المسألة قبل انطلاق الموسم الرياضي، وربما نحافظ على استقامة اللعبة، في ظل أن الكثير من الأمور ذات العلاقة باتت تشكو الانحراف في زمن الاحتراف.