(الاحتباس الكروي)
راقني كثيراً المصطلح أعلاه الذي كتبه الصحفي إسماعيل حيدر في “السفير” اللبنانية صبيحة يوم افتتاح مونديال جنوب إفريقيا 2010، إذ أجده الوصف الدقيق الذي وصلت إليه كرة القدم المحلية، خصوصاً إننا الليلة ربما نشهد الإعلان الرسمي عن بطل دوري “زين” وهو الفتح وذلك لأول مرة في تاريخه في حال تجاوزه الأهلي أو تعطل منافسه الهلال. أعتقد أن كل ما يحدث حالياً عبارة عن هوس كروي يتداخل في كل شيء، الأكل والشرب، اللباس، المواعيد، المناسبات، السفر، حتى الجدول اليومي لدى الكثيرين يتم تحديده بناء على مواعيد المواجهات، سواء المحلية أو الأوروبية الآخذة في الارتفاع مقارنة بنظيرتها المحلية. أدرك أن هذه الممارسات مبررة نوعاً ما على اعتبار أن كرة القدم لا تزال تحتفظ بشعبيتها لدينا وهي المتنفس الأول للشباب، والدوري تحديداً هو المنتج الكروي الأكثر اهتماماً وحرصاً من الجميع، لكن المؤسف أن المستوى الفني الحالي كان بمثابة الصدمة لأغلب متابعيه، إذ شهد غياباً كبيراً لكرة القدم الحقيقية، تغيير في موازين القوى الكروية، حضور جماهيري يصنف على أنه الأضعف خلال الأعوام الأخيرة بمتوسط 3000 مشجع للمباراة الواحدة. كرة القدم منذ بدايتها وحتى الآن كرة هجومية، كرة تعتمد على المهارة والسرعة، وإعمال العقل في التمرير والتسديد والتحركات حتى بدون كرة، وقدرة على توزيع اللياقة طوال دقائق المواجهة، جميع هذه المعطيات تغيب في مواجهاتنا المحلية بوجود مدربين متواضعين، ومحترفين غير سعوديين عاديين، فضلاً عن المحليين الذين بات المتميز منهم نادر جداً. ما أريد الوصول إليه هو أن مفهوم الكثير من المدربين لابد أن يتجاوز مفهوم الخوف من الخسارة أو الفوز بالطريقة الأنسب التي لاتخلو من تحفظ، إذ إن هذا التوجه أسهم في قتل المتعة، وقدم كرة دفاعية مملة، ودفع بعض الفرق الضعيفة إلى الفوز على نظيرتها الكبرى بدون مستوى أو إقناع أو بمعنى آخر بدون كرة قدم حقيقية. أعيدوا كرة القدم إلى وضعها الطبيعي، أعيدوها إلى الهجوم المتواصل، وإلى الزحف الدائم نحو شباك الخصوم، ليحارب الجميع التكتلات الدفاعية التي قتلت متعة الكرة وجماليتها، ليسن الاتحاد الدولي لكرة القدم المزيد من القوانين التي تسمح بتسريع وتيرة اللعب، وتساعد على تسجيل الأهداف. أتمنى زرع فلسفة الاستمتاع في أذهان اللاعبين منذ الصغر، إدراك أنه يلعب ليستمتع ويُمتع، أنه أحد أفراد فرقة سيرك دورها تقديم الدهشة للمشاهدين مقرونة بالفوز وتحقيق البطولات. هذه الفلسفة هي التي قدمت لنا برشلونة الإسباني في السنوات الأخيرة كأفضل فريق في تاريخ كرة القدم بناء على نتائجه وسحره داخل الميدان، فالفريق مهما تعثر لايتخلى عن ثوابته الفنية التي تقتضي عدم تغيير اللعب والاستمرار على الوتيرة ذاتها حتى والفريق يخسر أو أن الوقت قارب على النهاية “التيكي تاكا” مستمرة، هذه القناعة هي التي حققت للفريق الإبداع والإمتاع وتحقيق البطولات والجوائز المختلفة. نحن لانريد فرقنا نسخاً من برشلونة لاستحالة ذلك، لكن نريد التفرغ لكرة القدم والاستمتاع بها بدلاً من تحويلها إلى أداة حرب بعد أن كانت رسالة حب.