حاتم الكاتم
قلة قليلة لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد الواحدة، من يعرف طبعًا من طباع رئيس نادي الاتحاد المهندس حاتم باعشن، لا أدري إن كان بالإمكان وصف هذا الطبع بالجميل أو السيئ، وهو من جعله يعلن أكثر من مرة عدم رغبته في الاستمرار رئيساً مكلفاً لسنة ثانية، أو دخول معترك الانتخابات، وقبل ذلك كم من المرات أعلن عقد مؤتمر صحفي لكشف "فضائح" من "دمروا" الاتحاد، إلا أنه لم يفعل رغم كل حجم الضغوط التي كانت تواجهه من كل صوب واتجاه، وهذا الطبع أو الصفة باختصار شديد، أنه رجل "كتوم" جداً، من يعمل معه من الصعب، بل من المستحيل يعلم ما يدور في رأسه أو يخبئه في صدره، سره وسر غيره محبوسان في بئر عميق مظلم.
ـ حاتم باعشن من خلال تجربة جميلة خضتها معه أثناء عملي مديرًا للمركز الإعلامي، في فترة رئاسة أحمد مسعود الثانية، شخصية مسالمة جداً لا تحب المشاكل يبتعد عنها وعمن يبحثون ويركضون خلفها مسافة عشرة كيلو مترات، عمله في شركة أرامكو أكسبته صفة "الحلم والصبر"، وتربية والده ـ أطال الله في عمره وشفاه ـ علمته أن يكون "كتوماً" لا يفشي سراً من أسرار عمله، مهما كان السبب، إلا إذا وصل إلى مرحلة "الفساد" بكل أنواعه وبالذات الأخلاقي، ويتمتع "حاتم الكاتم" في أسلوب إدارة عمله بـ"الصمت" القاتل؛ فهو قليل الكلام، أفعاله تسبق أقواله، وحينما تطلب منه البوح بها وإعطاء حقها من الاهتمام الإعلامي، يقول لك بالنص وحرفياً: "لا.. الله يخليك لا تنشر ولا تهبب كدا.. أنا عاجبني شغلي أسويه بدون "هيلمة وبربغندا" وما أبغى حمداً ولا شكوراً من أحد، أهم حاجة عندي إني أنام وضميري مرتاح".
ـ حاتم الكاتم فضل عدم التمديد، غير مهتم ببريق الأضواء والشهرة التي حصل عليها وجماهير تنادي باسمه وغير متمسك بـ"منصب"، لا يستطيع القيام بمهامه وواجباته الصعبة جداً "الخانقة" بفضائح فساد إداري ومالي وأخلاقي، تسبب في وجود أزمة مالية، لَيْس لها "حل" إلا تدخل الدولة وعلى أعلى مستوى، فما رَآه وشاهده واطلع عليه لا يصدقه العقل بأي حال من الأحوال، وحسب قول قاله لي: "والله يا أخوي عدنان لا يمكن أبداً لاتحادي محب أن يقوم بكل هذه الفوضى الخلاقة من "تخريب" وعبث وفساد"، ولهذا فضل "السكوت" كاتماً في صدره أشياء وأشياء، لا يرى أثناء إقامة مباريات الدوري والمسابقات الأخرى وقتاً مناسباً ليفضح هؤلاء "المتآمرين" على الاتحاد، ناهيكم أنها مسؤولية ليست من اختصاصه من وجهة نظره، وأجهزة الدولة المختصة هي التي من المفترض القيام بمسؤولياتها وواجباتها، ولو سئل فلن يقصر حينها بمدها بكافة المعلومات بكل تفاصيلها الدقيقة وأدلة قاطعة لا مجال للشك في مرتكبيها.
ـ من المفروض على "حاتم الكاتم" أن يفرح لفرح جماهيري أسعد قلبه وأصوات تُلِّح عليه بقبول قرار التكليف إن صدر كما "يتمنون" ولو "غصبا" عنه، ولا بد له أن يفرح أكثر حينما يجد أن هناك من "ولاة الأمر" من "يثق" فيه وفي شخصيته وفي إمكاناته وقدراته وفي إدارته، ويريد منه "البقاء والاستمرار، إلا أن الوضع المالي الذي كشف النقاب عنه على "استحياء" بالمؤتمر الصحفي قبل أسبوعين، هو من جعل كلمة "لا" تتعلق على طرف شفتيه، وتتدحرج على لسان غذاه العقل والمنطق ناطقاً بها معبرًا من خلال (لا وألف لا) عن رفضه التام لمنصب "مغرٍ" جدًّا قد يتسبب في "توريطه" مع جماهير لن ترحمه، وتقبل أي عذر منه أو مبررات؛ فالديون "المتلتلة" والقضايا "المتراكمة" تحتاج إلى "مال" إلى "فلوس"، وهذا غير متوفر لديه ويكفيه عناء الأشهر الماضية، وبالتالي لن يجازف ويغامر باسمه وسمعته وإنجازاته ما لم تقدم له "الضمانات" الكافية؛ ليكون "صادقا" مع من يطالبون ببقائه واستمرار تكليفه من جديد بثقتهم فيقول كلمة "نعم وألف نعم" بناء على اقتناع تام وكامل بقبول مهمة، باله أصبح (مرتاح وضميره مرتاح)، غيظه وقهره وألمه وتعبه كلها لن تعود، ولا إلى تجربة سابقة مريرة جداً لـ"حاتم الكاتم" يأمل أن ينساها ليبدأ تجربة جديدة عنوانها "حاتم الغانم" وإلا فلا.