2014-04-25 | 08:27 مقالات

أنا ابن (التلفزيون) ومدرستي الأولى

مشاركة الخبر      

مر نصف قرن على ولادة التلفزيون السعودي وقبل يومين أقامت وزارة الثقافة والإعلام احتفالا بذكرى ميلاده (الخمسين) بطريقة تقليدية غابت من وجهة نظري فرحة المناسبة حجماً وقيمة وكأنه حدث عادي جدا مع أنه

في دول أخرى يأخذ رونقاً آخر واهتماما أكبر بمراحل من خبر وحفل (تكريم) مختصر، ولست هنا عبر هذه المقدمة ممن يجهضون الاجتهادات ويشوهون عملا يشكر عليه وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة كلمسة (وفاء)، ولكن رب قائل يعلق ممن عاشوا المعاناة قائلا (أحمد الله) أن هذه الاحتفالية أقيمت ورأت النور كما شهدتها ولن أسألك لماذا لم تعجبك أو لم تكن على قدر تطلعاتك وبالتالي أرجوك لا تسألني عن تكلفة هذه المناسبة لربما أكثر مما تتصور.

ـ لم تتح لي فرصة مشاهدة هذا الحفل وربما الملايين من السعودين والمقيمين نفس الشيء كانوا مثلي ولا أدري هل أحمل نفسي مسؤولية (التقصير) أم أننا أمام حقيقة لواقع تلفزيون محلي على مختلف قنواته أصبح غير مشاهد بما يتطلب من أصحاب الشأن وذوي الاختصاص (دراسة) الأسباب من منظور قفزة تطويرية تدعو الأجيال القادمة في ذكرى ميلاد القرن إلى التذكر والاحتفاء بأسماء أوجدت لها (بصمة) مثل تلك البصمات الرائعة التي تحققت في (البدايات) لتلفزيون سعودي كان هو الوحيد المشاهد وليس الحال

كما هو الآن تعددت الخيارات عند المشاهد وزادت حجم المنافسة.

ـ بدون أدنى شك المقارنة مفقودة بين المرحلتين ولكن بمنتهى الصدق والصراحة بما أنني (ابن) تربى وهو في عمر الثامنة في أحضان شاشة واحدة للتلفزيون السعودي فإن ما سوف أسطره ما هي إلا ذكريات

طفل يدين لهذا المنبر الإعلامي المرئي بأنه كان هو (مدرسته) الأولى الذي تعلم في فصول انطلاقة تلك المدرسة في عهد الوزير الشيخ (جميل الحجلان) ما لم يتعلمه في فصول التعليم إنما من خلال (شخصيات) هي من كونت شخصيتي في ذلك السن وهي أيضا من (فجرت) مواهب عديدة عند طفل (تأثر) بها كثيرا وفي مقدمة تلك الشخصيات العظيمة الملك (فيصل بن عبدالعزيز) في هيبة وأسلوب إلقاء خطابه لشعبه، وحفل سنوي لضيوف بيت الله الحرام كنت أترقب بشغف شديد موعده لأستمع إليه وأستمتع بكلماته وبقوميته العربية وكرهه للصهيونية العالمية وأنتظر إبداع الشعر في حضرته ممثلا في شعراء سعوديين وعرب أتذكر منهم (أحمد الغزاوي وعمرأبوريشة).

ـ حتى الأناشيد (الوطنية) في تلك الحقبة الذهبية كان لها وقعها الوجداني يتلهف ذلك الطفل إلى سماع وترديد (فيصلنا يافيصلنا وسلمك الله ياأبوعبدالله) وغيرها من أناشيد وأغاني عاطفية حركت موهبة الشعر عنده لكتابته والاهتمام به، وكذلك بعض البرامج التي تحلق به مع روائع الأديب (محمد حسين زيدان) ولقاءات مع كبار الشخصيات وأبرز النجوم في (حديث الأصدقاء) برنامج يتناوب على تقديمه (عمالقة) المذيعين أمثال (ماجد الشبل، بدر كريم، غالب كامل، ومحمد خطاب) أما الشيخ علي الطنطاوي فلم يكن رافدا من روافد العلم فحسب الذي يستفاد فقط من علمه وإثراء فكره إنما كان (علامة) نتعلم منه فن المخاطبة والحوار، ناهيكم عن مسلسلات لبنانية عبر شخصيات مازالت في الذاكرة مثل (رشيد علامة) تأثرت بشخوص الأعمال التاريخية

التي كان يجيد تمثيلها في (رجال القضاء، وعمر بن عبدالعزيز، وبديع الزمان الهمداني) وأفلام أمريكية تخاطب خيال طفل في مسلسلات أسبوعية كـ(الهارب والغواصة الذرية والفدائيون) كلها وغيرها من أعمال درامية وبرامج كان لها تأثرها في بناء شخصية ذلك الطفل ومواهب ترعرعت معه وأنا في ذلك السن (البريء) جدا أشبه ما يكون بحمام يلتقط الحب.

ـ نعم التلفزيون السعودي كان بمثابة (معلمي) الأول وأحسب أنه أيضا كان لكل من هم من جيلي، إذ تبلورت من خلاله شخصيتهم وحينما تقهقر وأصبحت برامجه ضعيفة وتدخلت جهات أخرى غير متخصصة في تحديد سياسية ما يبث فيه تحول هذا التلفزيون إلى أقرب مايكون إلى إرث لمنزل (عتيق) بات مهجورا واتجه المشاهد في ذلك الوقت إلى قناتين مصريتين و(صحون) بدأت تعتلي أسطح المنازل والفلل.

ـ الحديث ذو شجون يستحق صفحات للكتابة عن ذكريات (طفولة) داعبت ذاكرتي بمناسبة احتفال ساهم في انعاشها بعد (50)عاما لتوثيق بسيط لمرحلة كان لها تأثيرها البالغ في تكوين شخصيتي الإعلامية فما بالكم اليوم ونحن مع عالم أصبح متوفرا في (كف) الإنسان والتلفزيون أخذ مكان (الأم) كمدرسة لا يمكن تجاهل مؤثراتها في عصر يقتضي من هيئة الإذاعة والتلفزيون مواكبة تحولاته وتعيد للتلفزيون السعودي عبر قنواته المتعددة جمهوره وتكوين جيل يقبل عليه، وتلك مسؤولية لا أعلم إن كان هناك من يدركها ويدرك

حجم (خطورة) قنوات سحبت البساط وجيل انجرف معها بفكر مواطن (مغترب) في وطنه.