اجتهاد يدعي الاحتراف
بحكم تخصصي في الإعلام وممارستي للعمل الصحفي فترة طويلة في أكثر من بلد يجوز لي أن أفتي برؤية عامة عابرة وسريعة بناءً على ما أقرأ من ملاحظات على الصحف الورقية تحديداً وهي موضوع المقال.
وملخص القول سأستشهد بالقول الشعبي إن الصحف الورقية ما زالت (على طمام المرحوم) في أغلبها وقد تكون هناك استثناءات لكنها لا تبلغ حد الاحتراف المهني الصحفي الكامل.
وحسب منطوق المثل الشعبي إن المقروء وفق الأسس المهنية خارج عالم الشاشة الكونية ومن الصعب التقبل بالقول إن هناك صحفاً يومية وهي التي تصدر ناشرة بضاعة الفضائيات البائتة مما يعني أنها صحف الأمس وليس اليوم وكما قال المثل الإعلامي (ليس هناك أقدم من جريدة الأمس).
والمضحك أن هناك صحفاً تفرد صفحاتها الأولى لمانشتات عريضة لبضاعة الأمس كما لو أنها نشرة علاقات عامة لا صحيفة يفترض فيها أن يكون هذا المكان لمادة إعلامية هامة وجديدة يحكم إبرازها القرب الزماني والمكاني.
وقد يقول قائل ماذا بإمكان هذه الصحف فاعلة وهي تواجه الآن السرعة الخارقة في مواكبة الأحداث من فضائيات وصحف إلكترونية ووكلات أنباء ومواقع تواصل اجتماعي؟
وأنا أقول إن الموضوع ليس معقداً إلى درجة الاستحالة في المنافسة وهذا يعتمد على وجود كادر صحفي مهني بفكر منهجي علمي يعشق التطور والمنافسة يصنع الأحداث وذو جسارة مهنية علمية في التعاطي معها لا كما يفعل بلداء الإنشاء الذين رهنوا تحركاتهم لأحداث هناك من سيسبقهم على إشباعها تحليلاً.
وكلامي هذا لا يعني أن كل شيء في الصحيفه انفرادي وخاص بها وتتجاهل كل التدفقات الإخبارية العامه إنما على الأقل أن تحتفظ الصحيفة بميزة انفرادية خاصة في تغطيتها للأحداث وصناعتها تغذي بها صفحتها الأولى وبعناوين جديدة لافتة لا بعناوين بضاعة الأمس.
وهذا التميز الانفرادي والانتقاء النوعي للمادة الصحفية الهامة سيوفر لها جاذبية المتابعة والإغراء في نقاط البيع والاشتراكات وأيضاً الإعلانات وسيبقيها منافساً غير قابل للانقراض كما أن هذا التميز سيجعلها مصدراً لإعلام الفضاء لا نقالة منه.
أما من ناحية بناء الموضوعات الصحفية على أسس مهنية علمية فحدث ولا حرج فهناك الكثير من الصحف هنا الإنشاء والاجتهاد في الصياغة هو الحاضر والمنهجية العلمية في التحرير الصحفي غائبة وكأنهم لا يجيدون عبور المراحل والتطورات السريعة في بلورة المادة صحفياً.
شيء مؤسف ونحن في عالم الشاشة الكونية أن نرى الحال كما كانت عليه في عصر القرية الكونية وربما هناك منهم قبله ما زالوا في تلك الحقبة الماضية مع اختلاف بسيط يظهر في تطور الطباعة.
يبقى القول والوقت ليس في صالح جماعة الماضي (الطمامون) بتراثهم الإنشائي الذين يعملون باجتهاد يدعي الاحتراف وهم لأدوات الاحتراف غير ملمين. وفكر من هذا النوع غير قابل للتطور كما هو ملاحظ على مدى عقد ونصف من الزمان مر دون ظهور مؤشرات تنبئ بأن هناك فكراً استوعب التطورات وخطط لمواجهتها.
والحل في نظري هو تحرك ملاك المؤسسات الصحفية تحركاً سريعاً لإيكال مهمة قيادة صحفهم إلى مهنيين علميين على دراية كاملة بقواعد الصناعة الإعلامية في جانبها المهني والتسويقي.