العالم
يبحث عن ملجأ
العالم الذي تعصف به هواجس الخوف مما قد تنتهي إليه جائحة فيروس كورونا من حيث أعداد المتوفين، والأضرار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، دون أن يلوح في الأفق ما يبشر ويطمئن إلى نهاية تنقذه مما هو فيه، يحتاج إلى عجوز جان فالجان في رواية فيكتور هيجو “البؤساء” حين خلصته من عذاباته بسؤال: هل طرقت الباب الذي هناك؟
المريع أنه العالم بكل ما منحه الله من قدرات علمية ومادية بدا مشردًا مثل جان حين دخل المدينة بعد رحلة قطع خلالها عشرين ميلاً سيرًا على قدميه، وكان يريد أن يأكل وينام وعنده ما يكفي لذلك من مال، إلا أن صاحب النزل لأمر “ما” قال له: أنا لا أستطيع أن أستقبلك، ولذات السبب طرده صاحب الحانة، ولما وطئت رجلاه الطريق بدأ بعض الصبية يرشقونه بالحجارة، وطرق باب السجن للمبيت فقال له السجان “السجن ليس فندقًا افعل ما يحمل الشرطة على اعتقالك عندئذ نفتح لك”.
العالم بطغيانه وتجبره، يعاقب مثل “جان فالجان” الذي في الحقيقة كان لصًّا خرج لتوه من السجن، لص وإن لم يكن محترفًا عضه الجوع فكسر زجاج المخبز بجمع الكف “وأمسكت الذراع برغيف وأخرجته” وأطلق ساقيه للريح، قبض عليه واعتبر مجرمًا وحكم عليه بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، ولأنه حاول الهرب أكثر من مرة، صدرت عليه أحكام متوالية سلخت تسعة عشر عامًا من عمره، وكان يمكن له ألا يسرق مهما كان الأمر ليختصر عليه هذا البؤس.
هو كذلك هذا العالم اليوم، هائمًا يبحث عن ملجأ يقيه شر فيروس مجهري، جعله يصدر القرارات، ويتخذ الإجراءات، يصرف الأموال لحماية الأعمال والحكومات، يبدو مسكينًا مثل جان، لكنه كان لصًّا وإن جاع، مجرمًا وإن تشرد وطرده كل إنسان، العالم الصناعي إلا من صنع الخير، الغني إلا من غنى النفس، تآمر على البشرية قتل وشرد، وسرق، فمن يدله على الباب، ويجبره ليطرقه من أجل نجاتنا جميعًا.
سيصرف الله بجلال قدره وقوته هذا البلاء عن العالم، سنحب بلادنا وقيادتنا أكثر بكثير مما كنا نشعر به من ذي قبل، فقد كانت الصدر الحنون الذي توسدناه آمنين، ورغيف الخبز الذي أكلناه مطمئنين، الداعي للخير والسلام في العالم وبه فخورون، من أجله دائمًا وسنظل نطرق باب الله أن يحميه ويقويه ولن يخيبنا بلطفه ورحمته وكرمه آمين.