الكراسي
بلا أفئدة ولا تصفق
لا بد من الإقرار بأن جائحة كورونا غيّرت منافسات كرة القدم في العالم، لن يكون بالأمر الهين إقناع اللاعب بأنَّ عليه أن يقدم كل ما يمتلكه، من قوة أداء وقتالية ورغبة في اللعب بمزاج عالٍ، ضعُف التنافس وهبط مستوى الأداء، وتبعًا لذلك صارت الدقائق التي يمضيها الحكام أمام شاشة “الفار” الأكثر إثارة، وأهم ما يبقى في الذاكرة بعد كل مباراة.
تحول اللاعبون إلى ممثلين ينتجون عملًا للتلفزيون، لم يعد اللاعب يركض أو يستعرض مهاراته، ويهز الشباك من أجل جمهور المدرج، الذي يشحنه بالطاقة ويتفاعل مع كل حركة. فقدت المباريات أجزاء مهمة من سحرها، كلمات اللاعبين التي كانت لغزًا كم تمنى الجمهور معرفتها، أصبحت أصواتًا جافة فاقدة المعنى والأهمية، صراخ يشبه الاستغاثة أو الشجار، رفع الغطاء عن الأندية لم يعد في الملعب ما يمايزهم، المهارة والبلادة سواء، ارتكاب الأخطاء واللمسات الساحرة سواء، المدرج جماد والكراسي ليس لها أفئدة تخفق ولا أيدٍ تصفق.
ليونيل ميسي الذي احتفل الأسبوع الماضي، بتسجيله الهدف رقم 643 لنادي برشلونة، متجاوزًا الرقم المسجل باسم بيليه لنادي سانتوس 643، قال إن “اللعب في زمن كورونا، وبالتالي دون المشجعين يجعلك تشعر بإحساس قبيح، وإن المباراة باتت تشبه المران، وإن ذلك تسبب في أن يكون من الصعب تحقيق الفوز بغض النظر عن الفريق المقابل”، ميسي يقول ذلك، فمن لكرة القدم أن تستنجد به بعده، ومن يحفظ للأندية الأقوى والأشهر كرامتها حين تسقطها كورونا بالثمانية بلا خجل، أو تساويها في المدرج مع أندية الريف بلا رحمة.
مما كتبه إندريس مارتينيز لمنصة هارفارد بزنس ريفيو: “زمن الجائحة تحتّم على المشجعين المتعصبين إعادة تقييم أولوياتهم، والأهمية النسبية لكثير من المنشآت في حياتهم، فقد يبدو متجر البقالة فجأة أكثر أهمية من فريق الدوري الأمريكي لكرة السلة، أو الدوري الوطني”.
لكن مارتينيز يرى أن الرياضة قد تخضع بعد الجائحة للتقييم، كما حدث مع الإمبراطوريات الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى، وأن العالم سيقاد أكثر إلى احتمالية ولادة وإصلاح جديدين للرياضة، وهي العودة إلى أساسيات أنقى وغير قائمة على أسس تجارية. كما تساءل عمّا إذا كانت الرياضة ستبقى ذات أهمية في المجتمعات كما كانت؟ وما هو مستقبل مشجعي الفرق الرياضية؟ الرياضة وعشاقها غريبو الأطوار، ما قد يضرب بأفكار وأسئلة مارتينيز عرض الحائط.