2021-07-12 | 20:20 مقالات

بطولة الدُنيا

مشاركة الخبر      

أثبتت بطولة أمم أوروبّا 2020 للمنتخبات التي انتهت منذ ساعات في العاصمة البريطانية أن كُرة القدم للشعوبِ ومنها. ومع قبل التفاصيل وبعدها كانت القارّة العجوز هي الحياة.
أعطت اللعبة الأولى للعالم جرعة القوّة اللازمة للاستمرار وسط رتابة الأيّام وبطء الإيقاع وتحوّر الفيروس الثقيل المُمِلّ. لم تكتف المنافسة الستينية بأن تضخّ الفرح في إحدى عشرة دولة، بل مدّت رقصات الانتعاش إلى عموم الأرض.
كان العالم حذراً ويسكنه الخوف إلاّ لندن وروما وميونيخ وبودابست. شاهدنا الحقول والعقول والألوان. قرأنا عناوين صحافة المعارك القديمة من الإسكتلنديين واستمعنا إلى عبارات المُعلّقين المحلّيين المشحونة بالوطنية.
نسينا أعمارنا من حضور كبار السنّ مع الصغار في المضامير والمدرّجات. كان كلُ شيء زاهيًا من الحُمرة والخُضرة إلى زُرقة اللازورد. كانت لوحة من الأنهارِ والأجراس والغيوم والأمطار وتشكيلات المجاميع وأزياء الأفراسِ وسيوف الحُراسِ وفتيات المنسوجات التقليدية.
غابت مهرجانات، الموسيقى في برشلونة، ورقص البحر في الجبل الأسود، والحديقة في كرواتيا، وتحلّق الناس للمستديرة في القلاع والقصور والبيوت والأرصفة والساحات. فرحَ زارع اليقطين وعاجِن الخُبز مثل الأثرياء ونبلاء العواصم وتساوى طفل الملجأ مع السلالات الإمبراطورية. إنها الطابة الصغيرة التي تُقذُفُ بالشغف ومعها يكون كل البشر بُسطاء.
كم نحتاج أوروبّا وفهمها للدنيا وكم نحتاج كُرة القدم لنتسامر مُسامرة الأطفال والاستلقاء فوق تلّة والأعين للنجوم والأرواح تتجاوز فضاء السماء.
شًكراً أوروبّا العظيمة على السعادة والبساطة والكعك والحسِاء والعنب والأجبان والأثمار والأزهار. شكراً على الأناقة والعطور وساعات النهار الطويلة ومغيب الشمس المتأخر. شكراً على النور في الدكاكين العتيقة وعلى المقاعد في المسارح وعلى التماثيل الرخامية في محطات القطار وعلى أشجار السنديان وعلى الشّعِرِ ومقطوعات الموسيقيين. شكراً لأنك منحتِنا البهجة المفقودة ومسحتي من على وجوهنا ليكتسيها من بعد الشحوب صفاء.
الامتنان لكِ أيتها السيّدة فقد كنتِ معنا الحبيبة التي تلتقينا كًل ليلة وأنتِ من كنتِ في الكتبِ والخرائط وصناديق الغُزاة ورحلات المستشرقين. عبرناك بحراً دون سُفن طارقيه وصدحنا بك أغنية دون تلاحين قرطبيّه وانتصرنا من الإخضرار لا من المجد التليد. وداعاً بطولة الدنيا ورمز البقاء ولنا عودة إليك ولكِ عودة إلينا. سنتذكّر كُل شيء ولن ننسى. سنقول إنه في صيفٍ حاضرِ عن صيفٍ غائب مزّقتي من التقويم ورقة قديمة وكتبتِ في الأعلى من البياض أن التواريخ تًكتب حينما يقرر الإنسان ذلك، وأن المرء مهما كان حزيناً فعليه أن يحمل حقائبه إلى أوروبّا.. وملاعبِها.