اجعلها «فضفضة» بدلا من جدل
انفجار جمهور الهلال والنصر بعد الموقعة التاريخية التي جمعت بينهما منتصف الأسبوع الماضي كان أمرًا حادثًا لا محالة أيًا كان الفائز أو الخاسر، والأطر التي تم فيها تفريغ الفرح والغضب من خلال “السوشال ميديا” وخرج بعضها عن حدود اللباقة، أو يقع تحت المساءلة القانونية ليس بالجديد وفي أحسن أحوال عقلاء المجتمع تم تبادلها دون المشاركة في صنعها أو التعليق عليها.
أقل الأحداث شأنًا كانت تأخذ حظها في الانتشار، بعد أن سهلت وسائل التواصل الاجتماعي التفاعل والمشاركة وصار من الطبيعي خلالها أن نتبادل الأخبار واليوميات ونعقد المؤتمرات ونفتح مساحات الحوار، إلا أنه بقي شيء واحد لا يلقى الاهتمام ونحن نفعل ذلك وهو القدر المناسب من الحفاظ على مستوى ما نملكه من خلق وقيم إنسانية وترفع عن الكذب، والإيذاء المعنوي والحرص على السمعة.
أتفهم الدائرة الضيقة التي من الممكن أن تستوعب ردة فعلنا في أي من حالاتها كون ذلك يأخذ في الاعتبار أنه “مختصر” وظرفي، ومشاعر لا يمكن لنا أن نخفيها أو نكذب فيها على بعضنا “أصحاب الميول الواحد” حين يكون فريقنا قد حقق المراد أو خذلنا، لكن استغرب ممن يفتش عنها متعمدًا إيذاء نفسه ثم يشتكي منها بدلًا من تجاهلها.
نحن الجمهور لا نختلف عن بعضنا حين نشترك في أمر واحد يشير إلى ذلك جوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير” حيث يرى أن نفسية الناس المنخرطين في الجمهور تختلف أساسًا عن نفسيتهم الفردية، وأن الذكاء الفردي لا يلعب أي دور في هذا المجال، فدوره يتعطل عندما يصبح الإنسان منخرطًا في الجماعة، وحدها العواطف اللا واقعية تلعب دورًا آنذاك. وهذا ما كان الكثيرون يبحثون عن إجابته وهم يرون أن لا فرق بين مشجع وآخر، على الرغم من الاختلاف الظاهر في الوعي والمعرفة والسن.
ليس من العدل أن يطلب من جمهور المنتصر كتم مشاعرهم وعدم الإحساس بالفخر بناديهم ونجومهم وما غنموه من مكتسبات، ولا تثريب على جمهور الخاسر إن امتلأ بالغيظ وعاش الحسرة، جميعهما مشاعر لا تدوم ويتم تبادلها “يوم لك ويوم عليك” لكن علينا أن نختار له الأشخاص والمكان المناسبين للتعبير، أمتعها عن “تجربة” مع من يشتركون وإياك في الميول لتصبح “فضفضة” وتقاسم إحاسيس بدلًا من “جدل” وجرح مشاعر.