(ليتهم يعتزلون)
ما زالت المقالات الرائعة تطربني.. قرأت آلاف من هذه المقالات بحكم تعلقي بالصحافة وبحكم عملي الذي يضعني أحيانًا في موقع الرقابة.. للأسف تراجعت المقالات التي تتعانق فيها المتعة مع اللغة مع الرؤية مع الأسلوب.. أعتقد أن السبب الأول يعود إلى كون أصحاب هذه المقالات يبحثون عن الصدى والتفاعل واجتذاب الأنظار..
أتحدث عن المقالات الرياضية التي يملك كتابها مساحة واسعة وشاسعة من أفكار وقضايا وأحداث لا تلتقط أنفاسها.. أكثر شيء يؤثر وبوضوح على مستوى المقالات الرياضية هو المشي فوق حبال رخوة والرقص مع الثعابين.. يضع الكاتب المرتبك أنصار ناديه الذي يميل إليه بين كل طرفة عين وانتباهها خشية فقدان ذاك الضوء الذي منحه حضورًا وسط الاهتمامات المجلجلة.. لا يستطيع الكاتب المحسوب في زمرة المشجعين الخلاص من هذه الحالة الشعبوية المؤذية فيظل أسيرًا لما يطلبه الجماهير في كل ما يتناول وكل ما يكتب.. عندما يهم بالتفتيش عن فكرة مقال فإنه مباشرة يتجه إلى هموم وتوجسات تسيطر على أذهان أنصار ناديه ثم يبحر فيها واضعًا رأيًا يدغدغ مشاعر مشجع ينتظر تأييده ومساندته.. لا يمكنه أبدًا رؤية الصورة الكاملة، لأنه مجرد مترجم فوري لما يدور في أفئدة وعقول المدرجات.. هذا هو السبب الرئيس الذي جعل الكاتب الرياضي يتورط داخل دائرة مظلمة تحجب عنه أشعة الشمس وتحرمه من أي خطوة متطورة تجعله كاتبًا يملك أفقًا واسعًا وغنيًا ومتماشيًا مع المنطق والواقع والحقيقة..
أما إذا كان الكاتب الرياضي لا يدخل في جوقة المشجعين هذه ولا يقدم الحد المعقول من السحر المباح فمن الأفضل له ولنا وللكتابة أن يتركها ويغادر غير مأسوف عليه.. الذي يكتب بلا ما تسمى بالعقد التشجيعية ولا يرمينا في حالة طربية لغوية أو فكرية أو أسلوبية فليته يتأخذ القرار المناسب ويعلن الاعتزال..
الاعتزال ليس عيبًا ولا عارا ودائمًا له أسبابه.. الممثلون يعتزلون إذا شعروا بعدم جدوى استمرارهم.. اللاعبون يعتزلون رضوخًا لدورة الحياة وتقدم العمر.. لماذا أذن لا يعتزل الكاتب الذي يظل يكتب عشرات السنين دون جدوى ودون صدى ودون أي إضافة لنفسه أو للقراء..
وما أكثر الكتاب حين تعدهم.. وما أحوجنا للكتاب المعتزلين..
الاعتزال ليس عيبًا..
راجعوا أنفسكم واعتزلوا.. ونحن لكم من الشاكرين..!!