التطوّر..
الوجه الآخر
ـ الصعب في أمر التطور العلمي أنه ذو وجهين، وجه يضع العلم في خدمة الإنسان، يعالج أمراضه وينقله بين القارات في ساعات، يتحكم بدرجات حرارة وبرودة منزله، ويزيد صفحات مكتبته، بصورة أخرى الأمر أشبه بإطلالة الإنسان من شرفة بيته على الدنيا، يتناول منها بيديه الطويلتين ما يحتاج.
الوجه الثاني للتطور أن تقدمه خطير على الإنسان إذا استخدمه لإثبات قوته وللسيطرة على غيره، الأمر أشبه بسكين حادة، أساسها لقطع الفاكهة والخضروات وكل الاستخدامات التي تسهّل الحياة، لكنها في الوقت نفسه ممكن أن تكون أداة قتل، والتاريخ القريب يقول إن الإنسان استخدم تطوره عدة مرات في قتل أخيه الإنسان، كان قتلًا جماعيًا تجاوز البشر ووصل إلى الأرض والحجر. الجديد في توجيه التطور الإنساني للاستخدام المخيف أن الإنسان الآلي سيدخل ساحة الحروب، وآخر ما قرأته أن المقاتل الآلي سيكون جاهزًا في العام 2030 كأمر واقع عند بعض الجيوش. عندما فكرت في الدافع الذي يجعل الإنسان مهتمًا بتطوير ما يدمر فيه شركاءه في الحياة، وجدت عدة أسباب، جميعها نابعة من تنامي صفات على صفات أخرى، الغرور على التواضع، والجشع على العطاء، والقسوة على الرحمة، والبخل على الكرم، جميعها تحولات السِكّينة من أداة نافعة للإنسان إلى أداة ضارة. يقال إن في الأرض خيرات تكفي لأضعاف سكان الأرض، لكن أكثر من 1.3 مليار من البشر يعيشون الفقر، حسب آخر تقارير الأمم المتحدة، وأن الجوع يتسبب في موت الملايين سنويًا، في الوقت الذي يهدر فيه أكثر من 1.25 مليار طن من الغذاء، تعادل قيمته 980 مليار دولار! قناعتي التامة أن الإنسان هو من يصنع صفاته إذا أراد، شرط أن يعمل على تنمية الصفة التي يختارها، أن يصنع لها جيشها الذي يحميها، ومسبباتها التي تعززها، مسببات العطاء أنه يقضي على الجوع والفقر، ومسببات الرحمة أنها تقضي على الأحزان وتجبر الخواطر، ومسببات الكرم أنه يصنع السعادة والبهجة، ومسببات التواضع أنه ينشر المحبة، جميعها مسببات تبقي السكين لقطع الفاكهة.
ـ في كتاب (أي كلام) للكاتب الكبير أحمد رجب، قرأت هذه الابتسامة التي كانت بداية الإجابة على السؤال التالي: هل صحيح أن الفنان لا يستطيع أن يبدع إلَّا في برج عاجي؟ (كان علي أمين يكتب وسط أجراس التليفونات والداخلين والخارجين من المحررين، فإذا اندمج في الكتابة ودق جرس التليفون بجواره استمر في الكتابة قائلًا دون أن يرفع السماعة: آلو.. أنا علي أمين!).