2023-03-15 | 23:28 مقالات

العالم بعد 100 عام

مشاركة الخبر      

قبل مئة عام نشرت صحيفة أجنبية بعض توقعات القراء لشكل الحياة بعد مئة عام. كان العالم حينها يتسارع بالتغيير، فورة صناعات عنوانها عصر الطائرة، واكتشافات طبية ستزيد التعداد السكاني، أما أغلب التوقعات لحياة ما بعد مئة عام فتخيلت عالمًا بلا أمراض، وزمن السفر يقاس بالدقائق، وعالم كل نسائه جميلات.
لا شيء مما توقعوا كان صحيحًا، لكن توقعاتهم صائبة إذا ما قلنا إن العالم تقدم تقدمًا هائلًا، والطائرات أصبحت سريعة جدًا، وعمليات التجميل تطورت، وكل النساء جميلات إذا ما استخدمن فلاتر الصور. العالم خلال المئة عام تغير تغيرًا كبيرًا، يكفي أنه شهد ميلاد عصر الإنترنت، والإنترنت غيَّر العالم مثلما غيَّرته الكهرباء، ومثلما اختصرته الطائرة بساعات بدلًا من شهور. الفارق بين زمننا وما قبل مئة عام ليس بمئات الآلاف من الابتكارات المسجلة، ولا في ارتباط القارات ببعضها عبر شبكات طرق برية وبحرية وجوية، ولا في طرد العديد من الأمراض من عالم اليوم، جميعها تطور طبيعي، الفارق الذي حصل أن الناس كانت تشبه نفسها أكثر من اليوم بكثير، كان لكل بلد صناعته وزراعته وثقافته وملابسه وطعامه، أما اليوم وبعد مئة عام خسر العالم الكثير من تنوعه المتفرد، صار المزارع المكسيكي يأكل التفاح الصيني، لأنه صار يعمل في مصنع سيارات أمريكي افتتح في المكسيك، بينما أغلق الأمريكي مصنعه لينضم لشركة من الشركات الأمريكية القائمة على التقنية، في الوقت الذي صارت فيه الملبوسات الإنجليزية تصنع في شرق آسيا، أما تذوق الأطعمة البرازيلية فلا حاجة للسفر إلى بلاد الأمازون، يكفي أن تبحث في الإنترنت عن أقرب مطعم برازيلي في مدينتك، ستجد طباخًا فلبينيًا يعده لك، أما البدل الإيطالية فسافرت أغلب مصانعها إلى دول العالم، ولم يعد مستغربًا إذا ما اشتريت بدلة إيطالية صنعت في تركيا أو بولندا. عالمنا اليوم لا يشبه عالم 1923 فعلًا، لأنه فكر كيف يزيد من أرباحه على حساب الأصالة، كيف يوفر المنتجات على حساب جودتها، وكيف يوحد الملابس على حساب تنوع التراث وتعدد ألوانه. يقال إن حكاية فانوس رمضان تعود لزمن خليفة فاطمي، كان يخرج إلى الشوارع ليستطلع هلال شهر رمضان ليلة الرؤية، وكان بعض الأهالي والأطفال يضيئون له الطريق بالفوانيس، مرددين الأهازيج المناسبة للشهر الكريم، ومنذ تلك الأيام أصبحت فوانيس رمضان علامة خاصة بالمصريين، تصنعها الأيادي المصرية منذ ألف عام، ولو قيل لي قبل مئة عام بأن المصريين بعد مئة عام سيشترون فوانيس رمضان من الصين لما صدّقت!.