جراهام بل
وتوم هانكس
ـ منذ شهر تقريبًا وأنا مجبر على فتح الأحاديث مع أحد الأصدقاء، لكي أقطع صمت الطريق، تبلغ المسافة حوالي ساعة بالسيارة، ومع أن فتح الحديث فيه خطورة، كون الصديق إذا ما تحدث لا يعطي غيره مجالًا للكلام، حتى إذا ما اقتنصت اللحظة، التي توقف فيها للتنفس، وقلت شيئًا، فإنه لا يتردد لتكملة حديثه، فنصبح نحن الاثنان نتكلم في وقت واحد، فأضطر للصمت من باب الصبر مفتاح الفرج.
في آخر مرة قررت فيها فتح باب الكلام سألته: برأيك.. ما هو أهم اختراع بعد الكهرباء؟ فكر قليلًا، وقال: الاتصالات. حاولت أن أسأله عن تفضيله لهذا الاختراع عن غيره، لكنه لم يمهلني وراح يكمل كلامه.. كان جراهام بيل يجري تجربته على الجهاز، الذي صرنا نسميه الهاتف، وكان على الطرف الآخر من السماعة خطيبته مرجريت هيلو، وعندما أجابت على اتصاله قال لها: هيلو.. فصار عرفًا عامًا عندما نرفع السماعة نقول hello.
وهي كلمة تعود لاسم خطيبته ولا ترمز للترحيب! ثم راح يضيف معلومات جديدة دون أن يتوقف، منذ تلك اللحظة أصبحت أسأله أسئلة علمية، واكتشفت أنه موسوعة، وشرط الاستفادة منها هو ألّا أقاطعه، أما الشيء الوحيد الذي يوقفه عن الكلام هو وصولنا إلى وجهتنا.
ـ الاعتراف بالفشل أو ضعف المستوى أول خطوة على طريق النجاح، هذا ما أردده على نفسي في كل مرة ـ فاشلة طبعًا ـ يكفي أن يعرف الواحد أنه ليس جيدًا بالصورة الكافية لكي لا يعيد أخطاءه، وليسلك الطريق الصحيح، لكن التحدي الكبير في اعترافه الواضح والصريح أولًا بتقصيره أو فشله، وألّا يُوجد الشماعة ليعلّق عليها الأخطاء، وأعتقد بأنني والحمد لله صرت لا أعلّق أخطائي على الظروف والناس، لأنني لم أبقِ عذرًا لم استخدمه، أي أن كمية الاعذار نفذت، ووصلت إلى النتيجة التي تقول بأن أخطائي سببها تنفيذي الخاطئ، أو أنني لم أكن مستعدًا للتنفيذ من الأساس، وكل دفاعاتي كانت كلامًا فارغًا.
أقول إن الاعتراف بالفشل خطوة نجاح أولى لأن معظم من حققوا النجاح تكلموا عن بداياتهم الفاشلة، وأن اعترافهم الصريح بأخطائهم قادهم للعمل بصورة صحيحة هذه المرة، كما أنهم لم يترددوا بالقول بأنهم ما زالوا يخطئون أو يفشلون في أمر معين حتى وهم في مرحلة النجاح، ولو تابعنا مهرجانات السينما لوجدنا عشرات المهرجانات، معظمها يكرّم المخرجين والممثلين على إبداعاتهم، لكن مهرجانًا صار شهيرًا، اسمه مهرجان راتزي، يمنح الجوائز لأسوأ أعمال هوليوود، ولديه مسارات متعددة في منح الجوائز، منها أسوأ مخرج، وأسوأ ممثل، وأسوأ كاتب، والمهم في هذه الجوائز أنها لا تمنح لممثلين ومخرجين مغمورين، بل لنجوم كبار سبق ونالوا جوائز الأوسكار! تخيلوا أن توم هانكس، الذي سبق وفاز بجائزتي أوسكار، حصل على جائزتين منهما أسوأ دور ثانوي عن فيلم elvis، لكنه يبقى توم هانكس الممثل العبقري. الحمد لله أنهم لا يمنحون جائزة لأثقل كاتب!.