المدرب العبقري والسبّاك
لا شيء يوازي حرارة المدرجات السعودية حين يتعلق الأمر بكرة القدم، فالجماهير هنا لا تكتفي بالمشاهدة، بل تعيش كل دقيقة من المباراة وكأنها داخل الملعب. غير أن هذه العاطفة الجياشة كثيرًا ما تتحول إلى سلاحٍ ذي حدين، ترفع المدربين إلى قمة المجد عند الفوز، وتضعهم تحت المجهر عند أول تعثر.
الأمثلة كثيرة، وأقربها هذا الموسم مع مدرب الهلال الإيطالي إنزاجي، الذي بدأ مشواره وسط تشكيك كبير من بعض الجماهير التي رأت أن أسلوبه لا يليق بفريق مليء بالنجوم. قيل عنه «ما عنده فكر»، واعتُبر مجرد مدرب محظوظ. لكن بعد سلسلة من الانتصارات والأداء القوي، تغيّر المشهد كليًا، وأصبح إنزاجي نفسه الذي انتقدوه يُوصف اليوم بـ «العبقري» و«المايسترو» و«صانع الهوية الجديدة للهلال».
المشهد نفسه تكرر مع مدرب الاتحاد البرتغالي كونسيساو في مباراة الشرطة العراقي. بعد الهدف المبكر الذي تلقاه فريقه، اشتعلت المنصات بالانتقادات: «مدرب جبان»، «اختياراته كارثية»، «ما يعرف يقرأ المباراة». لكن بعد الفوز الكبير والأداء المذهل، انقلبت الآراء رأسًا على عقب، وأصبح «السبّاك» الذي هوجم قبل دقائق هو نفسه «الداهية» الذي عرف كيف يقلب الطاولة!.
هذه التقلبات ليست جديدة، فهي جزء من نكهة كرة القدم في منطقتنا. المدرب هنا لا يُقيَّم بخطته أو مشروعه، بل بنتيجة واحدة فقط. تفوز؟ أنت عبقري. تخسر؟ أنت سبّاك! هكذا ببساطة.
ومع ذلك، تبقى الجماهير هي روح اللعبة ونبضها الحقيقي، ومن دونها تفقد كرة القدم متعتها. لكن المطلوب اليوم هو وعي أكبر ونظرة أعمق، لأن الدعم لا يعني التغاضي عن الأخطاء، بل الإيمان بالمشروع ومنح الوقت الكافي لبنائه. فالاستقرار لا يأتي من الصافرة، بل من الصبر.
وحين تصل الجماهير إلى هذا الوعي ستصبح شريكًا حقيقيًا في البطولات، لا متقلبةً بين لحظة غضب وهتاف نصر. فبين «المدرب العبقري» و«السبّاك».. هناك دائمًا نتيجة واحدة تغيّر كل شيء.