الأحرار.. أبناء الصحراء!
"الكويت لا بد أن ترجع إن شاء الله.. هذا كان تفكيري بشكل أو بآخر.. وإلا تروح الكويت والسعودية سوا.. إذا راحت كرامة الكويت راحت كرامة السعودية.."!.
ما سبق من جمل استمع لها العالم أجمع والخليج بشكل خاص في شهر أغسطس من العام الميلادي 1990.. والتي ارتجلها القائد السعودي المحنك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ـ يرحمه الله ـ، وهي الكلمات التي ترجمها رجال ونساء المملكة إلى أفعال، جاءت لتبرهن للقاصي قبل الداني أن السعودي كان ولا يزال وسيظل شهمًا صادقًا في أفعاله قبل أقواله.. وجارًا يعي ويقدر ويجسد معنى الجيرة والأخوة ووحدة المصير..
لم يكن المغفور له ـ بإذن الله ـ فهد بن عبدالعزيز في تلك اللحظات إلا واحدًا من رجال الصحراء التي تربى أهلها على العقيدة.. وتمثلت أخلاقياتهم بالوفاء.. نطق حينها بما يجول في نفس كل سعودي حر أبيّ رشيد.. ولا منة لنا في ذلك؛ فديننا وتربيتنا وعاداتنا يحتمون علينا أن نكون كذلك..
أسترجع هذه الكلمات وأنا أشاهد ذلك السيل من المحاولات "الصبيانية" الطائشة التي أرهقها الركض بحثًا عن تحقيق فتنة هنا، أو إشعال فتيل خلاف هناك..!.
شاهدت وسمعت وقرأت كغيري بعضًا من التجاوزات تجاه وطني أو رموزه، لكني لم أتوقف عندها كثيرًا.. أحيانًا لسخف محتواها وضعف مصدرها.. وأحيانًا لكونها مجهولة الهوية والمصدر؛ ما يجعل الالتفات لها سببًا في بروزها وتحقيق الهدف من إثارتها..
لكنني في الوقت ذاته تربيت في وطن يرفض الانكسار والخنوع.. فأنا فرد في شعب امتلأ بالثقة والأنفة والشموخ؛ لذا فإنني أقدر لأولئك الوطنيين الذين وقفوا بالمرصاد لكل تجاوز تجاه وطني ورموزه، وقبل ذلك مقدساته..!.
ولعل أبرز وأهم محركات ذلك السيل من المناوشات، هو تزامنها مع الحدث الشبابي الاجتماعي الخليجي "دورة الخليج لكرة القدم".. وهي الحدث الأكثر سخونة وقبولاً في مجالس أهل الخليج ودواوينهم ومقاهيهم.. الحدث الذي يأتي فيعيد أسطوانات التحدي وذكرياته..
لذا فإن ضعاف النفوس والباحثين عن الفتنة حفظوا أدوارهم ليجسدوها في وضع أنفسهم أمام صيد سهل ينتظرهم في ماء عكر.. أو هكذا اعتقدوا على الأقل..!.
أستثني من ذلك بالطبع كل ما يصدر عن بعض الجماهير والإعلام والمسؤولين من مساجلات وتحديات لا تصل إلى حد الإساءة، ولا يصل أثرها إلى التجريح أو المساس بالرموز والأدبيات ونحوها.. فهي في نهاية المطاف ممارسات طالما صاحبت منافساتنا الخليجية حتى باتت جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المنافسة في بطولات الخليج وأحد مظاهرها المصاحبة..
وفي زحمة ما يطرح ويشاع في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن النخب مطالبون بالتواجد بشكل أكثر كثافة ونضجًا، إذ لا يمكن أن يرحم التاريخ أولئك العقلاء حين يصمتون أمام مشاهد إثارة الفتنة دون حراك مؤثر..!.
شاهدت بعيني تلك الأعلام التي حضرت في لقاء الشقيقتين السعودية والكويت في افتتاح "خليجي 23"، وكانت تستفز أنظار كل سعودي.. وقرأت تغريدات انتقصت كثيرًا من وطني.. واستمعت إلى حديث تلفزيوني حاول فيه أحد الأقزام التطاول على بلادي.. لكنني في ذات الوقت يجب ألا أنسى مشهد الاحتفاء الجماهيري بالسلام الملكي السعودي.. ولن أتجاهل ما سبقه من زيارة رسمية رياضية عالية المستوى من الكويت إلى شقيقتها الكبرى السعودية، قبل أيام لمشاركتنا في حفل التأهل إلى روسيا 2018.. ولن أنكر ذلك الإطراء الإعلامي الذي كتبه نخبة الكويت في حق السعودية ورموزها يومًا بعد يوم..
لن أسمح لعقلي بأن ينشغل بالتافهين.. ولن أسمح لعيني بأن تطيل النظر في ممارسات المارقين.. ولن أسمح لسمعي بإضاعة الوقت في الاستماع إلى نعيق لا يسمن ولا يغني من جوع..
إلا أن كل ما سبق لا يلغي أن نسمح بالتطاول أو التجاوز على وطننا.. ولا يعني السكوت أمام إساءات الهابطين فكريًّا والمفلسين أخلاقيًّا.. لكن علينا أن نفكر ألف مرة في كينونة ومصدر تلك الإساءات، ثم كيفية مواجهتها بالحكمة قسوة كانت أو لينًا..!
دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن..