منصور البدر ــ كما تدين تدان
القرار الذي أصدرته لجنة القيم والأخلاق في (فيفا) يوم أمس ويقضي بإيقاف كل من بلاتر وبلاتيني عن مزاولة أي نشاط يتعلق بكرة القدم لمدة ثمان سنوات يفتح الباب للكثير من التساؤلات حول إمبراطورية كرة القدم في العالم وأقاليمها القارية وفروعها الأهلية وما تشهده من صراعات وتكتلات تثار حولها الكثير من الروايات.
ما حدث يوم أمس لم يكن مفاجئا للرأي العام بعد الضربات المتتالية التي تلقاها بلاتر جراء ملاحقة رموز (فيفا) من قبل جهات الادعاء في كل من الولايات المتحدة وسويسرا وأدت إلى سقوط عدد منهم، وما لبثت أن طالت بلاتر وبلاتيني المتربعين على أكبر اتحادين كرويين في العالم (الدولي والأوروبي) فتم إيقافهما مؤقتاً تمهيدا لقرار الأمس ويبدو أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد وقد يتطور لفتح ملف مونديالي 2018 ـ 2022م وهو الملف الذي حرك القضايا ضد بلاتر ومعاونيه وأدى إلى تساقط الرفاق.
فساد (فيفا) ليس بالأمر الجديد، فالمليارات التي يحركها لا تخضع لسلطات رقابية في ظل استقلاليته التامة عن الحكومات والمنظمات الرسمية الأخرى وإصراره على عدم التدخل في شؤونه وهو ما سهل تدخل المال وتزايد قوة تأثيره في أروقة أكبر وأغنى مؤسسة رياضية في العالم، وفي ظل توفر المال وتقاطع المصالح تنشأ الصرعات والتكتلات من أجل التحكم في هذه المؤسسة الثرية.
الجديد هي الرياح العاتية التي عصفت بخطط السويسري العجوز في البقاء على رأس سلطة (فيفا) خمسة أعوام أخرى يتم بها اثنين وعشرين عاما على كرسي رئاسة (فيفا) الذي وصل إليه بدعم سعودي وعربي وآسيوي وما زال يحظى بدعم من معظم هذه الاتحاد حتى وهو ينافس الأمير علي بن الحسين والسبب بطبيعة الحال ..المصالح.
بلاتر لم يستطع الصمود في وجه هذه الرياح فسقط وأسقط معه صديقه المقرب وخليفته المنتظر بلاتيني وقبله أمين أسراره جيروم فالكه وقبلهم الكثير من الأصدقاء والرفاق وقد يلحق بهم آخرون، ولم يكن يتوقع أن يكون مصيره كمصير صديقه القديم ثم عدوه اللدود محمد بن همام الذي دفع الثمن باهظاً لأنه تجرأ وقال لبلاتر "كش ملك" طامعاً في منصبه.
فعندما صدر قرار لجنة القيم والأخلاق في (فيفا) عام 2011م بإيقاف محمد بن همام مدى الحياة لم يتخيل السويسري العجوز أنه سيتجرع نفس الكأس يوما ما ويتخلى مرغماً عن عرش (فيفا)، بل ويوقف من قبل ذات اللجنة بسبب تهمة فساد، ولكن ما لم يتخيله بلاتر حدث فعلا وتم إبعاده عن المنصب وإيقافه مؤقتاً وأخير صدر قرار الأمس بإيقافه وصديقه بلاتيني عن ممارسة أي نشاط يتعلق بكرة القدم لمدة ثمان سنوات.
بلاتر صرح فور صدور القرار مؤكدا براءته معلناً أنه سيستأنف القرار وسوف يذهب لمحكمة (كاس) وإذا لزم الأمر سيتجه للمحكمة الفيدرالية، والغريب أن محمد بن همام سبق بلاتر بهذا التصريح وتحديدا الاستئناف ومحكمة (كاس) والمحكمة الفيدرالية ولكنه لم يفعل، وسوف يتكرر المشهد مع بلاتر ولن يصعد الأمر لأنه يدرك أن التصعيد لن يكون في صالحه مع اختلاف الأسباب بين الاثنين.
ابن همام الذي بزغ نجمه في فضاء كرة القدم الدولية أواخر التسعينيات بحصوله على عضوية المكتب التنفيذي لـ(فيفا)، ثم سطع بقوة بدايات العقد الماضي بوصوله لكرسي رئاسة الاتحاد الآسيوي وعبر هذا المنصب استطاع خلال فترة وجيزة بناء علاقات عميقة مع صناع القرار الكبار ودخل لعبتهم ثم دفع الثمن عندما أراد اللعب ضدهم.
كان ابن همام قادراً على إزاحة بلاتر من منصبه عام 2011م لو كان الصراع شريفاً لكنه لم يكن كذلك ليس لأن محمد بن همام كان بريئاً في القضية الشهيرة لشراء أصوات اتحاد الكونكاكاف، ولكن لأن الميدان بأسره لم يكن شريفاً والمتنافسون شاركوا في لعبة المصالح ويعرفون بعضهم جيدا ومن السهل إدانة أي منهم، وهو ما حدث مع ابن همام، وها هو بلاتر يتجرع من نفس الكأس الآن، وكما تدين تدان.