2012-06-03 | 07:28 مقالات

هل قتل أحد في ملاعبنا؟

مشاركة الخبر      

عند الحديث عن حجم ظاهرة العنف والتعصب الرياضي في الملاعب السعودية، لابد أن نعرف إلى أي مدى خطورة هذه الظاهرة وصعوبتها وحجمها.. ومقارنتها بظواهر وأحداث في ملاعب أخرى، وهنا نستعرض بعض هذه الأحداث الرياضية، حيث الأعلى رقماً كان مقتل 630 مشجعاً في إحدى مباريات كرة القدم بعد إلغاء الحكم هدفاً بداعي التسلل لمنتخب بيرو لصالح منتخب الأرجنتين خلال تصفيات أولمبياد طوكيو 1964 نتيجة شغب منتخب بيرو، وفي عام 1966 .. انتحر 12 مشجعاً برازيلياً حزناً على خروج منتخبهم من التصفيات النهائية لبطولة كأس العالم عام 1966 ... وفي عام 1983 هجمت جماهير كرة القدم في انجلترا على الشرطة في إحدى المباريات وأدى ذلك لإصابة اثنين من رجال الشرطة و38 شخصاً واعتقال 202 لاتهامهم بالشغب، وفي عام 1985 وقعت مأساة أستاد هيسيل في العاصمة البلجيكية بروكسل أثناء المباراة النهائية لدوري الأبطال في أوروبا بين يوفنتوس الإيطالي وليفربول الإنجليزي حيث قتل39 مشجعاً بينهم 32 من مشجعي يوفنتوس كما أصيب أكثر من 600 آخرين نتيجة اقتحام جمهور الفريق الإنجليزي حاجزاً يفصل بينهم وبين مشجعي النادي الإيطالي ، وفي عام 1989 قتل 96 مشجعاً من مشجعي ليفربول في مأساة رياضية محزنة سجلت تاريخاً أسوداً في التشجيع الرياضي العالمي، وفي الأربعاء الأول من فبراير 2012 وفي مباراة قدم بين فريقي المصري من بور سعيد والأهلي القاهرة وقعت أحداث وصفت بالمجزرة أو المذبحة في ملعب بورسعيد حيث قتل 73 مشجعاً ومئات المصابين، وكانت هذه أحدث مأساة رياضية وأقربها لتاريخ هذا الملتقى. وبين تلك الحوادث تكون حوادث الشغب والاعتداءات على السيارات وكسر زجاج المحلات وتحطيم سيارات وحافلات الفريق الخصم والاعتداء الجسدي واللفظي الذي يشكل ظاهرة عدائية قبل وأثناء وبعد المباريات الرياضية، فما هو حجم الظاهرة لدينا في المملكة العربية السعودية ؟ بكل الواقع والحقيقة وبكل أدوات التأكيد وبكل الثقة أقول بأنه في تاريخنا الرياضي وحسب معلوماتي وقراءاتي ومتابعاتي للواقع الرياضي لم تحدث واقعة قتل لاسمح الله لمشجع رياضي أو بسبب مباريات أو تشجيع رياضي، وهذا يعني أن درجة العنف والتعصب الرياضي لاتعدو كونها مناوشات ومشاجرات وسباب وشتم ربما لاسمح الله تتطور لمضاربات وعنف جسدي، ولكن كل هذا العنف والتوتر والغضب لم يؤدي ولله الحمد لحالة قتل واحدة، وهذا يعطينا الاطمئنان بأن الظاهرة صوتية ومبالغ فيها، ولكنها ربما تقود لاسمح الله إلى مالا يحمد عقباه إذا تعاملنا معها ببرود وبلامبالاة، الأمر الذي يتطلب سن الأنظمة والقوانين والحزم لمحاربة هذه الظاهرة وتقليصها إلى أقل حد ممكن قبوله والتعامل معه، وحتى نعالج المشكلة لابد من النظر إلى الأخلاق وكيف تتكون لدى الناشئة، ويتضح من التوتر والعنف والتعصب والشغب في الملاعب الرياضية أن هناك مشكلة أخلاقية سلوكية أدت إلى مثل هذا العنف الجسدي واللفظي في الملاعب الرياضية، ويعود ذلك إلى تكوين الإنسان وتربيته.. وأول هذه التربية ومكانها الصحيح في المجتمع هي المدرسة لأنها هي التي تعد الفرد وتلقنه الأخلاق والقيم وبعد ذلك يصبح أباً أوتصبح أماً ويكون أسرة وينقل ذلك لأبنائه وبناته.. ولهذا فتش عن التعليم عند صلاح أونجاح أمة ، وأمامنا تجربة إسلامية تتمثل في ماليزيا ونجاح محاضير محمد وزير التربية ثم رئيس مجلس الوزراء في إصلاح هذا المجتمع، ونقله من الفقر والبساطة والتشرذم إلى قوة اقتصادية وثقافية واجتماعية يضرب بها المثل، وفي جميع كتب وأطروحات محاضير محمد كانت المدرسة هي اللبنة الأولى لكي يتعلم الإنسان القيم والأخلاق، ولهذا يأتي المجتمع الماليزي رغم تعدد أعراقه وتنوعه إلا أنك تجد الناس يذهبون من تلقاء أنفسهم لأداء الصلاة جماعة في الأسواق وأماكن التجمعات، وينتشر الحجاب بين النساء بفضل التربية والأخلاق، أما ثاني المجتمعات فهو المجتمع الياباني، وقد سألت وزير التربية الياباني في زيارة سابقة لليابان عن ماهو أهم شيء تحرص المدرسة اليابانية على تعليمه لطلابها فقال: أهم شئ الأخلاق.. فعجبت من ذلك وقلت لمن معي رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. وهذا الياباني يقول أهم شيء الأخلاق، فقلت ماذا تقصد بالأخلاق؟ فعدد مكارم الأخلاق الموجودة في ديننا مثل : الأمانة ،الصدق ،التسامح ،احترام الوقت ، عدم إيذاء الآخرين ، عدم إتلاف مقدرات الوطن ،النظافة ،احترام الكبير، العطف على الصغير، التصرف بجماعية داخل المجتمع والبعد عن الأنانية والفردية، ولهذا نجد الطالب الياباني ينظف مدرسته وينظف شارعه وينظف مدينته، وأنظر للمشجع الياباني رجلاً كان أو امرأة يشجع بحماس وبصوت واحد، ويفرح بالفوز ويتقبل بعد نهاية المباراة النتيجة أياً كانت، وتجده يحمل سلة مهملات صغيرة أعدت لهذا الغرض يجمع ماخلفه من نفايات وهو منظم ومرتب، ويحترم الطابور عند دخوله الملعب وعند الخروج وهذه تعلمها في المدرسة. لذا فإن الخطوة الأولى لوأد ظاهرة العنف والشغب في الملاعب الرياضية تلقينها الأطفال من المدرسة، حيث تعاليمنا الدينية بالابتسامة وإفشاء السلام والتسامح، وأنه ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب، وإن المسلم ليس بالسباب ولا باللعان، وإن علينا عدم الغيبة والنميمة والتجسس وعدم التنابز بالألقاب، وإن علينا حسن الخلق واحترام النظام والهدوء والطمأنينة والأدب والابتعاد عن سوء النية والظن السيئ والعداوة والفجور عند الخصومة.. وعندما يتعلم الناشئة ذلك في المدرسة ستجد الواحد منهم بإذن الله خلوقاً مؤدباً يستمتع بالمباراة ويتواضع عند الفوز ويبتسم عند الهزيمة، وتنتهي المباراة وظروفها بانتهاء وقتها في أجواء تسودها المحبة والاحترام وحسن الخلق والطمأنينة.