الله يجبر بخاطركم
الذين لا يزالون يعتقدون أن الرياضة ليست إلا ضرباً من التسلية أو إهداراً للوقت والمال فإن الصواب قد جانبهم كثيراً، فالرياضة أكثر ما يبعد الشباب عن الإرهاب والانحراف والمخدرات وما يضر بالنفس والصحة.. والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو الأحق بها.. وإذا كان هناك من أعجب باهتمام دول العالم من الغرب إلى الصين إلى أمريكا الجنوبية والشمالية وكل أقطار الكرة العربية بالرياضة فإن الإسلام هو أول من اهتم بالرياضة وكان العرب السباقون لذلك من خلال القول الإسلامي المأثور (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل)، وكم يحمل هذا القول من حرص الإسلام على ممارسة الرياضة.. ولعل الفروسية لها من الأولوية ما يكفي بأن تكون هي الرياضة الإسلامية الأولى فهي التي وصلت بالفتوحات الإسلامية إلى حدود فرنسا وإلى الأندلس وإلى السند على صهوات الجواد العربي الأصيل الذي كان وفياً مع الإنسان العربي.. ومن يقرأ تاريخ توحيد الجزيرة العربية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ كان هذا التوحيد على صهوات الخيل العربي.. والشيء بالشيء يذكر فالخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة. وهي الرياضة التي وجدت اهتماماً شخصياً من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ متعه الله بالصحة والعافية ـ فقد كانت التهنئة منه للفرسان بعد نهاية مسابقة الفرق في أولمبياد لندن للفرق بعد نصف ساعة من نهاية المنافسة التي توج فيها فرسان السعودية (عبدالله بن متعب وكمال باحمدان وعبدالله الشربتلي ورمزي الدهامي) بالمركز الثالث لقفز الحواجز متفوقين على منتخبات عريقة في هذه المسابقة مثل أمريكا والسويد وغيرها وسط تحية أكثر من 30 ألف متفرج في ساحة ضاحية جرينتش فكان الموعد السعودي حسب توقيت (جرينتش) بحضور الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز.. ومشاركة الأمير نواف بن فيصل بن فهد في التتويج للأبطال المنتخب البريطاني والهولندي والسعودي الثالث. وفي عروس البحر الأحمر جدة كان الاستقبال التاريخي الحافل والتكريم الملكي للأبطال ولكل من تعب من أجل هذا الإنجاز وقد لايعلم الكثيرون بأن هؤلاء الأبطال استعدوا لأكثر من ثلاثة أشهر حتى محاولات المغرضين والمتربصين من الاتحاد الدولي لإبعاد السعودية عن المنافسة الأولمبية باءت بالفشل. وكم سعدت بتواجدي في لندن خلال الأولمبياد الذي ودعناه قبل أيام بإطفاء شعلة لندن 2012م.. وتواجدت مع الفرسان الأبطال قبل المنافسة وبعدها في (جرينتش بارك) وعرفت يومها بأن نيل المطالب ليس بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.. حتى الفارس البطل كمال باحمدان كان قريباً جداً من برونزية الفردي ولكنها لم تكتب له وأقول له لا تحزن فقد كنت بطلاً منافساً والقادم أحلى فأنت الرابع على العالم وليس الرابع على بطولة عربية أو آسيوية.. خلال تواجدي في ضاحية جرينتش مع منتخب قفز الحواجز عرفت كلمة السر لتفوق هؤلاء الأبطال وهي الروح الجماعية والأسرية والأخوية بين جميع أفراد المنتخب فلم يكن هناك فرق بين أمير أو مواطن، فالجميع كان أسرة واحدة حتى عندما دخل خالد العيد لتناول طعام الإفطار مع زملائه وهو الغائب عن منافسات لندن وصاحب برونزية سيدني وقف له الجميع لاستقباله وكانت المشاعر أكثر من أخوية.. الجميع كان يحرص على أداء الصلوات جماعة.. إن فرسان السعودية الذهبيين لم يكونوا مجرد لاعبين فقط بل كانوا سفراء فوق العادة لكل رياضي سعودي وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. إن تكريم الملك عبدالله الفارس الأول للفرسان بمنحهم وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ما هو إلا رسالة واضحة بأن أولياء الأمر لن يبخلوا على كل متفوق في الرياضة وغيرها من المجالات.. ولاشك أن رعاية الملك ودعمه الشخصي والمالي المباشر لصندوق الفروسية قد أتى بثماره وأن المستقبل للفروسية السعودية لن يرضى بغير المقدمة حتى في أرقى وأكبر البطولات.. والشكر والتقدير للأمير الشاب نواف بن فيصل على اهتمامه بكل أعضاء البعثة وسؤاله عن صحتهم فرداً فرداً وكان قريباً من كل اللاعبين وكم كان حديثه للقناة الرياضية السعودية واضحاً وصريحاً بأنه يطمع في المزيد من النتائج الإيجابية وأن هناك تغييرات شاملة في معظم الاتحادات الرياضية.. مرحباً بالنقد الهادف وأنه أكثر من تعرض لانتقادات ولكن على الإعلاميين أن يتقبلوا الانتقاد كما نتقبل انتقاداتهم.. وكلنا يد بيد مع نواف من أجل رياضة سعودية أفضل.. وأنا شخصياً شاهدت في الدورة الأولمبية من المشاهد الكثيرة التي أجزم من خلالها بأن بناء البشر أهم من بناء الحجر.. الرياضة في أوروبا تطورت لأن ثقافة المجتمع هي السبب وهي من تصنع الأبطال والمشجع المثالي وليس بناء الملاعب.. ولو أنشأنا عشرين ملعباً مثل ويمبلي لما تغير الوضع المهم أن تتغير ثقافة الناس.. حتى في لندن تعلمت النوم المبكر.. ومنذ عودتي إلى جدة مساء الجمعة الماضي عاودت ممارسة السهر إلى الفجر وهذه ثقافة مجتمع وهذا ينسحب على اللاعبين.. لكن منتخب الفروسية العظيم انتشل الرياضة السعودية وأنا شخصياً من الإحباط.. وأقولها للأمير نواف من القلب لابد من محاسبة الاتحادات المقصرة، فمثلاً ولن أقول اتحادات السلة أو الطائرة بل أتساءل ماذا تفعل بعض الاتحادات مثل اتحاد السباحة أو الملاكمة خلال الأربع سنوات الماضية؟ ألا يوجد من بين عشرين مليون سعودي سباح أو ملاكم واحد؟.. كلنا مع التكريم لكل بطل لكن الحساب والمساءلة مطلوبة لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.