المطر هنا وهناك
المطر اللذيذ يغمرني بعشق.. أستقبله بلا (أمبريلا).. إنها عندهم كالحذاء يتقون بها الماء كما نتقي نحن التراب والأحجار. المطر.. البساط الأخضر الجميل الذي يكسو الأرض عاليها وواطيها.. الهواء العليل سر ذلك البهاء الذي يكتنف الوقت.. سواء كنت تعمل أو كنت تلهو.. تأكل بشهية، وتمشي بشهية، ولا تشعر بالمسافات إلا حين تذهب لتخلد للنوم. في بلادنا نشعر اليوم بشيء من هذا الجمال.. المطر.. الشجر.. والأجواء الباردة.. قد تبدو الصورة عندهم أكثر إخضراراً.. لا بأس ولكن الصورة لم تكتمل بعد. الساعة تقترب من الخامسة والنصف.. المحلات التجارية تبدأ بالإغلاق والناس يبدؤون العودة إلى بيوتهم.. المطاعم والبارات ودور السينما وما على شاكلتها هي وحدها التي تبقى مفتوحة.. وحين تغرب الشمس تقل الحركة بشكل ملحوظ.. ثم ساعة أو ساعتين على الأكثر يبدأ بعدها مسلسل الضحك والصراخ والسباب.. إنه وقت (السكارى).. تسمعهم بوضوح فلا صوت إلا أصواتهم. وفي الفجر حين تستيقظ للصلاة تظل أصوات السكارى تحمل إعياء أجسادهم المترنحة.. وأصوات طيور كالغربان تصرخ فزعة.. ربما كانت تنهرهم.. أو أنها تدعو أولئك النيام لصلاة الفجر. ولكنهم لا يسمعون.. لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي هذا السكون المخيم على هذه الجنة الأرضية أصابني بالخوف.. كل من يسكن هذه الجنة إلا من رحم ربي يجحدون عطاء المنعم المتفضل.. يكفرون به ويجعلون له ما لا يليق به سبحانه. فيما الفجر هنا صورة أخرى.. أصوات المؤذنين تتداخل لتعلن عن موعد صلاة المشائين في الظلم.. أولئك الذين يرجون نور الله التام في يوم القيام.. وأصوات الديكة تتابع وهي ترى الملائكة تملأ السماء تشهد لعباد الله بطاعة الله.. خذ نفساً طويلاً من هذا الهواء المعطر بروح الله وفضل الله.. هل تساءلت يوماً كيف سيكون حالنا بلا صلاة؟.. اسألوا تلك الطيور الفزعة التي ما زالت تصرخ كل يوم في أولئك الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم.